فَلَا يُوجِبُ الْفَصْلَ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ.
وَلَوْ قَالَ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَقَبَضْتهَا إيَّاهُ كَانَتْ عَلَيْهِ الْأَلْفُ كُلُّهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَقَبَضْتهَا صِفَةُ الْعَشَرَةِ وَقَوْلَهُ إلَّا عَشَرَةً ظَاهِرُهُ اسْتِثْنَاءُ الْعَشَرَةِ عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ وَاجِبًا أَصْلًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فِي الْحَالِ لِسُقُوطِهَا عَنْهُ بِالْقَضَاءِ فَكَانَ بَيَانُهُ الْمَذْكُورُ بِقَوْلِهِ أَقَبَضْتهَا مِنْ مُحْتَمَلَاتِ كَلَامِهِ فَيَصِحُّ مِنْهُ، وَإِذَا صَحَّ كَانَ مِنْهُ دَعْوَى الْقَضَاءِ فِي الْعَشَرَةِ وَدَعْوَى الْقَضَاءِ مِنْهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ سَوَاءٌ ادَّعَاهُ فِي بَعْضِ الْمَالِ أَوْ فِي كُلِّهِ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ بِطَرِيقِ أَنَّهُ يَكُونُ عِبَارَةً عَمَّا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ هُنَا لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى أَصْلُ الْوُجُوبِ فِيمَا زَعَمَ أَنَّهُ قَضَاهُ مِنْ الْمَالِ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ قَدْ أَقَبَضْتهَا إيَّاهُ؛ لِأَنَّ حَرْفَ قَدْ حَرْفُ التَّأْكِيدِ فَدَعْوَاهُ الْقَضَاءَ فِي الْعَشَرَةِ مَعَ حَرْفِ التَّأْكِيدِ وَبِدُونِ حَرْفِ التَّأْكِيدِ سَوَاءٌ وَلَوْ قَالَ: إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَقَدْ أَقَبَضْتُهَا إيَّاهُ كَانَ عَلَيْهِ الْأَلْفُ إلَّا عَشَرَةً؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ " وَقَدْ أَقَبَضْتُهَا " كَلَامٌ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُسْتَثْنَى فَلَا يَكُونُ لِلْمُسْتَثْنَى إذْ لَيْسَ بَيْنَ الْوُصُوفِ وَالْمُوَصَّفِ حَرْفُ الْعَطْفِ فَيَكُونُ هَذَا مِنْهُ دَعْوَى الْقَضَاءِ فِي أَصْلِ الْمَالِ فَيَبْقَى اسْتِثْنَاؤُهُ الْعَشَرَةَ صَحِيحًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ حَرْفَ الْعَطْفِ هُنَاكَ بَيْنَ الْعَشَرَةِ، وَذَكَرَ الْقَضَاءَ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ إذَا قَالَ: زَيْدٌ عَالِمٌ كَانَ صِفَةً لِزَيْدٍ، وَإِذَا قَالَ: زَيْدٌ وَعَالِمٌ لَا يَكُونُ قَوْلُهُ وَعَالِمٌ صِفَةً لِزَيْدٍ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ لَا يُعْطَفُ عَلَى الْمَوْصُوفِ.
وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا دِرْهَمًا أَقَبَضْتُهَا إيَّاهُ كَانَتْ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَقَبَضْتُهَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ صِفَةً لِلْمُسْتَثْنَى فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ حَرْفَ التَّأْنِيثِ فَيَكُونُ صِفَةً لِمَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِعِبَارَةِ التَّأْنِيثِ وَالْمُسْتَثْنَى يُعَبَّرُ عَنْهُ بِعِبَارَةِ التَّذْكِيرِ فَعَرَفْنَا بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ أَقَبَضْتهَا دَعْوَى الْقَضَاءِ مِنْهُ فِي أَصْلِ الْمَالِ فَبَقِيَ اسْتِثْنَاؤُهُ الدِّرْهَمَ صَحِيحًا.
وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ غَيْرَ دَانَقٍ مِنْ ثَمَنِ بَقْلٍ قَدْ أَقَبَضْتُهُ إيَّاهُ كَانَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي نُسَخِ أَبِي سُلَيْمَانَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ قَدْ أَقَبَضْتُهُ صِفَةٌ لِلدَّانِقِ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ فَكَانَ هَذَا مِنْهُ دَعْوَى الْقَضَاءِ فِي الدَّانِقِ لَا الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَلَزِمَهُ دِرْهَمٌ، وَقَالَ فِي نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَيْهِ دِرْهَمٌ إلَّا دَانِقًا قَالَ الْحَاكِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا أَقْرَبُ إلَى وِفَاقِ مَا اعْتَلَّ بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ لَا فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ: لِأَنَّهُ قَطَعَ بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَبَيْنَ الْقَضَاءِ بِكَلَامٍ فَصَارَ الْقَضَاءُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَمَعْنَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ دَعْوَى الْقَضَاءِ إنَّمَا يَصِيرُ صِفَةً لِلدَّانِقِ إذَا وَصَلَهُ بِهِ، وَقَدْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا كَلَامٌ آخَرُ هُنَا، وَهُوَ قَوْلُهُ مِنْ ثَمَنِ بَقْلٍ فَصَارَ دَعْوَى الْقَضَاءِ مِنْهُ عَلَى دِرْهَمٍ وَبِهَذَا التَّعْلِيلِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْجَوَابَ الصَّحِيحَ مَا ذَكَرَهُ فِي نُسَخِ أَبِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute