للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَا: الْإِقْرَارُ وَالشَّهَادَةُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَبَرٌ عَنْ أَمْرٍ مَاضٍ وَمَا كَانَ مَاضِيًا فَلَيْسَ بِمُتَيَقَّنٍ عِنْدَهُ فِي الْحَالِ لَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَلَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ أَنَّ الدَّيْنَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ لِإِبْرَاءِ الطَّالِبِ إيَّاهُ وَاسْتِيفَائِهِ مِنْهُ تَبَرَّأَ مِنْ مَالِهِ أَوْ تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ بِالْقَضَاءِ عَنْهُ أَوْ لِمُفْسِدٍ يُمْكِنُ فِي أَصْلِ السَّبَبِ فَيَمْتَنِعُ وُجُوبُ الْمَالِ بِهِ، وَكَانَ قَوْلُهُ فِيمَا أَعْلَمُ اسْتِثْنَاءً لِلْيَقِينِ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فِي عِلْمِي

وَإِنْ قَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ لَهُ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَهَذَا إقْرَارٌ بِالِاتِّفَاقِ وَبِهِ يَسْتَدِلُّ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَالْفَرْقُ هُنَا أَنَّ حَرْفَ قَدْ لِلتَّأْكِيدِ فَقَدْ أَكَّدَ عِلْمَهُ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ تَأْكِيدًا لِإِقْرَارِهِ وَالشَّاهِدُ لَوْ قَالَ: قَدْ عَلِمْت فَأَنَا أَشْهَدُ عَلَيْهِ بِمَا قَدْ عَلِمْت لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَدْحًا فِي شَهَادَتِهِ فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ قَدْحًا فِي إقْرَارِهِ.

وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فِيمَا أَظُنُّ أَوْ فِيمَا ظَنَنْتُ أَوْ فِيمَا أَحْسَبُ أَوْ فِيمَا حَسِبْتُ أَوْ فِيمَا أَرَى أَوْ فِيمَا رَأَيْتُ فَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ إنَّمَا تُذْكَرُ فِي الْعَادَةِ لِبَيَانِ شَكِّهِ فِيهِ وَاسْتِثْنَاءِ بَقِيَّةٍ وَفَرَّقَ بَيْنَ قَوْلِهِ فِيمَا رَأَيْتُ أَوْ حَسِبْتُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِيمَا قَدْ عَلِمْتُ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْعِلْمِ يُطْلَقُ عَلَى مَا يُتَيَقَّنُ بِهِ بِخِلَافِ الْحُسْبَانِ وَالظَّنِّ وَالرُّؤْيَةِ فَقَدْ يَتَرَاءَى شَيْءٌ لِلْإِنْسَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقِيقَةٌ كَالظَّمْآنِ يَرَى السَّرَابَ مِنْ بَعِيدٍ فَيَتَرَاءَى أَنَّهُ مَاءٌ وَلَا حَقِيقَةَ لِذَلِكَ.

وَلَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فِي شَهَادَةِ فُلَانٍ أَوْ فِي عِلْمِ فُلَانٍ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ فِي الْعَادَةِ إنَّمَا تُذْكَرُ لِبَيَانِ أَنَّ الْأَمْرَ بِخِلَافِ مَا يَشْهَدُ بِهِ فُلَانٌ أَوْ يَعْلَمُهُ وَيَكُونُ هَذِهِ إنْكَارًا لَا إقْرَارًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ بِشَهَادَتِهِ أَوْ بِعِلْمِهِ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ وَلَا يَتَحَقَّقُ إلْصَاقٌ بِشَهَادَةِ فُلَانٍ وَعِلْمِهِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِهِ فَكَانَ مُقِرًّا بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ مُؤَكِّدًا لِذَلِكَ بِعِلْمِ فُلَانٍ وَشَهَادَتِهِ. وَإِنْ قَالَ فِي قَوْلِهِ أَوْ بِقَوْلِهِ أَوْ بِحِسَابِهِ أَوْ فِي حِسَابِهِ أَوْ فِي كِتَابَتِهِ أَوْ فِي كِتَابِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فُلَانٍ لَا أَثَرَ لَهُ فِي وُجُوبِ الْمَالِ وَلَا حِسَابِهِ فَمَقْصُودُهُ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ بَيَانُ أَنَّ الْأَمْرَ بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ فُلَانٌ وَيَحْسَبُهُ وَيَكْتُبُ بِهِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ وَالْعِلْمِ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ مِمَّا يُؤَكَّدُ بِهَا الْوَاجِبُ، وَالْعِلْمُ يُطْلَقُ عَلَى مَا يُتَيَقَّنُ بِهِ فَلِهَذَا فُرِّقَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَلَوْ قَالَ: بِصَكِّهِ أَوْ فِي صَكِّهِ أَوْ فِي صَكٍّ، وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى أَحَدٍ فَالْمَالُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ الصَّكَّ اسْمٌ خَالِصٌ لِمَا هُوَ وَثِيقَةٌ بِالْحَقِّ الْوَاجِبِ فَهَذَا مِنْهُ تَأْكِيدٌ لِمَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ الْمَالِ (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ قَالَ: فِي سِجِلٍّ أَوْ سِجِلِّهِ كَانَ الْمَالُ لَازِمًا لَهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: فِي كِتَابٍ أَوْ مِنْ كِتَابٍ بَيْنِي وَبَيْنَهُ أَوْ مِنْ حِسَابٍ أَوْ فِي حِسَابٍ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَهَذَا كُلُّهُ إقْرَارٌ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا اللَّفْظِ

<<  <  ج: ص:  >  >>