أَنْكَرَ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ عَادَةً فَقَدْ تَيَقَّنَّا بِوُجُودِهَا عِنْدَ الْبَائِعِ فَيَرُدُّهُ الْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يُثْبِتَ الْبَائِعُ سَبَبًا مَانِعًا مِنْ الرَّدِّ، وَقَدْ تَسْتَوِي هَذِهِ الْمَوَاضِعُ فِي الْخُصُومَةِ فِي الْعَيْبِ بَيْنَ حَضْرَةِ الْعَبْدِ وَغَيْبَتِهِ إذَا كَانَ الْبَائِعُ مُقِرًّا بِوُجُودِ الْعَيْبِ بِهِ فِي الْحَالِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْخُصُومَةَ فِي مَوْتِ الْعَبْدِ مَسْمُوعَةٌ.
وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ بَاعَ عَبْدَهُ هَذَا مِنْ فُلَانٍ وَقَبَضَ الثَّمَنَ مِنْهُ، وَلَمْ يُسَمِّهِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَيْعِ فِي الثَّمَنِ يَنْتَهِي بِقَبْضِهِ فَتَرْكُ التَّسْمِيَةِ فِيهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِيمَا تَتَوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ وَيُحْتَاجُ إلَى قَبْضِهِ، وَذَلِكَ مَعْدُومٌ فِي الثَّمَنِ الْمَقْبُوضِ وَلَوْ سَمَّى وَأَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَهُ كَانَ هَذَا أَجْوَزَ مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى قَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَالْخُصُومَةِ فَقَدْ تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ أَوْ رَدِّهِ بِالْعَيْبِ، فَإِذَا كَانَ مُسَمًّى لَا تُمْكِنُ فِيهِ الْمُنَازَعَةُ.
وَلَوْ سَمَّى ثَمَنًا، وَقَالَ: لَمْ أَقْبِضْهُ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي قَدْ أَقَبَضَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ دَيْنٌ لَازِمٌ لِلْبَائِعِ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي، فَإِذَا ادَّعَى بَقَاءَهُ كَانَ عَلَيْهِ إثْبَاتُهُ بِالْبَيِّنَةِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ لِإِنْكَارِهِ فَإِنَّ إقْرَارَهُ بِالْبَيْعِ لَا يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِقَبْضِ الثَّمَنِ كَمَا أَنَّ إقْرَارَ الْمُشْتَرِي بِالشِّرَاءِ لَا يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارَ بِقَبْضِ السِّلْعَةِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْعَبْدَ حَتَّى يَنْقُدَ الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْبَيْعِ عَنْ حَالٍ يُثْبِتُ حَقَّ الْحَبْسِ لِلْبَائِعِ مَا دَامَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ قَبَضَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْعَبْدَ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ حَقِّهِ فِي الْحَبْسِ سَقَطَ بِتَسْلِيمِهِ إلَى الْمُشْتَرِي، وَقَدْ سَلَّمَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ مُطْلَقَ فِعْلِ الْمُشْتَرِي مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَحِلُّ شَرْعًا مَا لَمْ يَظْهَرْ خِلَافُهُ الَّذِي لَا يَحِلُّ شَرْعًا كَالْقَبْضِ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ، وَلِأَنَّ خُرُوجَ الْمَبِيعِ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ مُبْطِلٌ حَقَّهُ فِي الْحَبْسِ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ أَنَّهُ كَانَ يَعْتَبِرُ رِضَاهُ.
وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَهُ مِنِّي أَوْ قَبَضَهُ مِنِّي، ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْعَبْدَ أَوْ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي بِعَيْبٍ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لِلْمُشْتَرِي فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ فَالْقَوْلُ فِي بَيَانِ مِقْدَارِهِ قَوْلُ الْمَدْيُونِ وَلَا يُصَدَّقُ صَاحِبُ الدَّيْنِ عَلَى دَعْوَى الزِّيَادَةِ إلَّا بِحُجَّةٍ.
وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُهُ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَقَدْ خَرَجَ نِصْفُ الْعَبْدِ مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا قَالَ فِي الْبُيُوعِ إذَا تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ لَمْ يَتَحَالَفَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْعَبْدَ وَلَا يَأْخُذُ لِلْعَيْبِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَمْ يُسَلَّمْ لِلْمُشْتَرِي شَيْءٌ فَيَصِحُّ رِضَا الْبَائِعِ بِسُقُوطِ حَقِّهِ فِي حِصَّةِ الْعَيْبِ فَيَتَحَالَفَانِ عِنْدَ ذَلِكَ وَهُنَا مَا أَخْرَجَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ مِلْكِهِ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ سَالِمٌ لَهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ ذَلِكَ مَجَّانًا فَلِهَذَا كَانَ الْقَوْلُ فِي الثَّمَنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute