للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَدُ الْغَيْرِ عَلَيْهِ بَلْ يَدُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَقْوَى فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي حُرِّيَّتِهِ. وَكَذَلِكَ رَجُلٌ وَامْرَأَتُهُ مَجْهُولَانِ لَهُمَا ابْنٌ صَغِيرٌ لَا يَتَكَلَّمُ أَقَرَّا بِالرِّقِّ لِرَجُلٍ عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَابْنِهِمَا جَازَ لِمَا بَيَّنَّا.

وَإِنْ قَالَا نَحْنُ مَمْلُوكَانِ لِفُلَانٍ وَابْنُنَا هَذَا مَمْلُوكٌ لِفُلَانٍ آخَرَ وَكَذَّبَهُمَا مَوْلَاهُمَا فِي الِابْنِ فَالِابْنُ عَبْدٌ لَهُ مَعَهُمَا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُمَا بِالرِّقِّ عَلَى أَنْفُسِهِمَا يُسْقِطُ اعْتِبَارَ يَدِهِمَا وَيَجْعَلُ يَدَهُمَا لَاغِيَةً فَكَمَا لَا قَوْلَ لَهُمَا بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِالرِّقِّ فِي إبْطَالِ الِاسْتِحْقَاقِ الثَّابِتِ لِذِي الْيَدِ فِيهِمَا فَكَذَلِكَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا فِي إبْطَالِ الِاسْتِحْقَاقِ الثَّابِتِ لِلْمُقَرِّ لَهُ فِي وَلَدِهِمَا.

وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى أَمَةً أَنَّهَا أَمَتُهُ وَادَّعَتْ الْأَمَةُ أَنَّهُ عَبْدُهَا وَلَا يُعْرَفُ أَصْلُهُمَا، وَلَيْسَ الْوَاحِدُ مِنْهُمَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَصَدَّقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فِي دَعْوَاهُ جَعَلْتُ ذَلِكَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ تَصْدِيقَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ إقْرَارٌ بِالرِّقِّ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَبَيْنَ الْإِقْرَارَيْنِ مُنَافَاةٌ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالِكًا لِصَاحِبِهِ وَمَمْلُوكًا لَهُ، فَإِذَا تَحَقَّقَ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا تَهَاتَرَا إذْ لَيْسَ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ فَاَلَّذِي أَقَرَّ أَخِيرًا مَمْلُوكٌ لِلْأَوَّلِ إذَا صَدَّقَهُ ثَانِيَةً؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالرِّقِّ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ يَتَضَمَّنُ رَدَّ إقْرَارِ صَاحِبِهِ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْهُ فَيُرَدُّ ذَلِكَ الْإِقْرَارُ لَهُ وَيَبْقَى إقْرَارُ الثَّانِي بِالرِّقِّ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي ذَلِكَ كَانَ عَبْدًا لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ، وَلَمْ يُكَذِّبْهُ لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَمْلُوكًا لِلْآخَرِ لِأَنَّ إقْرَارَ الْأَوَّلِ قَدْ بَطَلَ بِالرَّدِّ، وَلَمْ يَبْطُلْ بِإِقْرَارِ الثَّانِي تَصْدِيقُ الْمُقِرِّ وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ أَنَا عَبْدٌ لَكَ، فَقَالَ الْآخَرُ لَا، ثُمَّ قَالَ بَلَى أَنْتَ عَبْدِي فَهُوَ عَبْدُهُ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ الثَّابِتَ لَا يَبْطُلُ بِالْجُحُودِ وَالْإِقْرَارُ مَتَى حَصَلَ بِمَا لَمْ يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ يَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ الْمُقَرُّ بِهِ مَوْقُوفًا عَلَى تَصْدِيقِهِ فِي الْإِقْرَارِ بِالسَّبَبِ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ فِي يَدَيْهِ، فَقَالَ أَنَا عَبْدُكَ، فَقَالَ لَا، ثُمَّ قَالَ نَعَمْ لَمْ يَكُنْ عَبْدَهُ فَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَعْرِفْ يَدَهُ فِيهِ.

وَلَوْ قَالَ ذُو الْيَدِ لِرَجُلٍ هُوَ عَبْدُكَ يَا فُلَانُ، فَقَالَ لَا، ثُمَّ قَالَ هُوَ عَبْدِي فَهُوَ عَبْدٌ لِذِي الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لِفُلَانٍ بِالْمِلْكِ وَالْمِلْكُ مِمَّا يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ فِيهِ بِالرَّدِّ وَالتَّصْدِيقُ بَعْدَ مَا بَطَلَ الْإِقْرَارُ بِالرَّدِّ لَا يَكُونُ مُوجِبًا شَيْئًا بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فَإِنَّهُ إقْرَارٌ بِالرِّقِّ وَالرِّقُّ لَا يَبْطُلُ بِالرَّدِّ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَبْطُلُ بِالرَّدِّ مَا يَحْتَمِلُ النَّقْلَ مِنْ شَخْصٍ إلَى شَخْصٍ فَلِهَذَا عَمِلَ التَّصْدِيقُ هُنَاكَ بَعْدَ الرَّدِّ، وَفِي الْكِتَابِ قَالَ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ أَحَدٍ وَهَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ فَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهِ أَوْ لَا يَكُونَ فِي يَدِهِ وَإِنَّمَا الْفَرْقُ الصَّحِيحُ مَا قُلْنَا.

وَلَوْ قَالَ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ هُوَ عَبْدُكَ يَا فُلَانُ، فَقَالَ فُلَانٌ بَلْ هُوَ عَبْدُكَ، ثُمَّ قَالَ بَلَى هُوَ عَبْدِي وَجَاءَ بِالْبَيِّنَةِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بَلْ هُوَ عَبْدُكَ رَدٌّ لِإِقْرَارِهِ وَإِقْرَارٌ بِمِلْكِ الْعَبْدِ لَهُ، فَإِنْ ادَّعَاهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>