فِي حَقِّ حُكْمٍ يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ التَّلَافِي وَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَثْبُتُ فِي كُلِّ حُكْمٍ لَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ التَّلَافِي وَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ قَبْلَ الْإِقْرَارِ فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّا لَوْ صَدَّقْنَاهَا فِي هَذَا الْحُكْمِ لَحِقَهُ ضَرَرٌ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَوْ أَعْطَاهَا الْمَهْرَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ لَمْ تَبْرَأْ مِنْهُ؛ لِأَنَّا لَوْ صَدَّقْنَاهَا فِي حَقِّ الزَّوْجِ هُنَا لَتَمَكَّنَ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ بِدَفْعِ الصَّدَاقِ إلَى مَوْلَاهَا دُونَهَا، وَعَلَى هَذَا لَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً، ثُمَّ أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ صَارَ طَلَاقُهَا ثِنْتَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّتْ بَعْدَ مَا طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ. وَكَذَلِكَ لَوْ مَضَتْ مِنْ عِدَّتِهَا حَيْضَةٌ فَأَقَرَّتْ بِالرِّقِّ صَارَتْ عِدَّتُهَا حَيْضَتَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّتْ بَعْدَ مُضِيِّ حَيْضَتَيْنِ، وَعَلَى هَذَا مَا وَلَدَتْ مِنْ وَلَدٍ قَبْلَ الْإِقْرَارِ فَهُمْ أَحْرَارٌ لَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِمْ فِي إبْطَالِ حُرِّيَّتِهِمْ.
وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مَوْجُودًا فِي بَطْنِ أُمِّهِمْ بِأَنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَأَمَّا مَا يَحْدُثُ مِنْ الْأَوْلَادِ بَعْدُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُمْ أَرِقَّاءُ وَالْوَقْتُ فِيهِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُمْ أَحْرَارٌ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ بِالنِّكَاحِ اسْتَحَقَّ حُرْمَةَ الْأَوْلَادِ وَهِيَ لَا تُصَدَّقُ فِي إبْطَالِ الْحَقِّ الثَّابِتِ وَلَوْ قَبِلْنَا إقْرَارَهَا فِي رِقِّ الْأَوْلَادِ تَضَرَّرَ الزَّوْجُ ضَرَرًا لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ عَنْ نَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ وَطِئَهَا، وَفِيهِ إبْطَالُ الِاسْتِحْقَاقِ الثَّابِتِ لَهُ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ هَذَا وَلَدٌ حُرٌّ مِنْ أُمٍّ رَقِيقَةٍ فَيَكُونُ رَقِيقًا كَمَا لَوْ ثَبَتَ رِقُّهَا بِالْبَيِّنَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَلَدَ جُزْءٌ مِنْ الْأُمِّ يَتْبَعُهَا فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ فَالزَّوْجُ لَمَّا أَعْلَقَهَا مَعَ عِلْمِهِ بِرِقِّهَا فَقَدْ رَضِيَ بِرِقِّ هَذَا الْوَلَدِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ إقْرَارِهَا، وَفِي قَبُولِ إقْرَارِهَا فِي هَذَا الْحُكْمِ لَا ضَرَرَ عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ مِنْ أَنْ يُعْزَلَ عَنْهَا عِنْدَ الْوَطْءِ، وَلِأَنَّ الْوَلَدَ ثَمَرَةٌ فَلَا يُسْتَحَقُّ بِالنِّكَاحِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ عَجُوزًا أَوْ عَقِيمًا لَا يَثْبُتُ لِلزَّوْجِ الْخِيَارُ فَكَيْفَ تَكُونُ صِفَةُ حُرِّيَّةِ الْوَلَدِ مُسْتَحَقَّةً لَهُ بِالنِّكَاحِ فَلِهَذَا قَبِلْنَا إقْرَارَهَا فِي هَذَا الْحُكْمِ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مَجْهُولَ الْأَصْلِ لَهُ أَوْلَادٌ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ أَقَرَّ بِالرِّقِّ لِرَجُلٍ جَازَ ذَلِكَ كُلُّهُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ لِكَوْنِ مَا أَخْبَرَ بِهِ مُحْتَمَلًا وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأُمَّهَاتِهِمْ وَمُدَبِّرِيهِ وَمُكَاتَبِيهِ؛ لِأَنَّهُمْ اسْتَحَقُّوا الْحُرِّيَّةَ أَوْ حَقَّهَا، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ رَقِّهِ بُطْلَانُ هَذَا الْحَقِّ عَلَيْهِمْ فَلَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّهِمْ.
وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مَجْهُولَةً فِي يَدِهَا ابْنٌ لَهَا صَغِيرٌ مِنْ فُجُورٍ أَقَرَّتْ أَنَّهَا أَمَةٌ لِفُلَانٍ وَأَنَّ ابْنَهَا عَبْدٌ لَهُ فَهِيَ مُصَدَّقَةٌ عَلَى نَفْسِهَا وَابْنِهَا؛ لِأَنَّ الِابْنَ لَمَّا كَانَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْرِفْ أَصْلَهُ فَادَّعَتْ أَنَّهُ عَبْدُهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهَا فَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ لِغَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَ ابْنُهَا يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ أَنَا حُرٌّ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ مَنْ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ كَالْبَائِعِ لَا تَقْوَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute