للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَتَّى دَخَلَ وَقْتٌ آخَرُ فَإِنَّ طَهَارَتَهَا لَمْ تَنْتَقِضْ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا تَنْتَقِضُ بِسَيَلَانِ الدَّمِ فَلَا يَنْفَعُهَا الْوُضُوءُ الْمُتَقَدِّمُ لِهَذَا السَّيَلَانِ، فَأَمَّا إذَا كَانَ الدَّمُ سَائِلًا حِينَ تَوَضَّأَتْ ثُمَّ انْقَطَعَ ثُمَّ دَخَلَ وَقْتٌ آخَرُ فَتَوَضَّأَتْ ثُمَّ سَالَ الدَّمُ فَلَيْسَ عَلَيْهَا وُضُوءٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهَا بِخُرُوجِ الْوَقْتِ فَإِنَّهَا تَوَضَّأَتْ وَالْوُضُوءُ وَاجِبٌ عَلَيْهَا فَلَا يَلْزَمُهَا وُضُوءٌ آخَرُ بِسَيَلَانِ الدَّمِ مَا بَقِيَ الْوَقْتُ.

وَلَوْ تَوَضَّأَ بِالنَّبِيذِ فِي سَفَرٍ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَاءٍ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ أَصَابَ مَاءً كَثِيرًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْزِعَ خُفَّيْهِ وَيَغْسِلَ قَدَمَيْهِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ بِالنَّبِيذِ بَدَلٌ عَنْ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ فَإِنَّمَا لَبِسَ الْخُفَّ بِطَهَارَةٍ غَيْرِ مُعْتَبَرَةٍ بَعْدَ وُجُودِ الْمَاءِ وَكَذَلِكَ لَوْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ ثُمَّ تَيَمَّمَ وَلَبِسَ الْخُفَّ ثُمَّ وَجَدَ مَاءً طَهُورًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْزِعَ خُفَّيْهِ وَيَغْسِلَ قَدَمَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّوَضُّؤَ بِسُؤْرِ الْحِمَار لَا يَكُونُ طَهَارَةً بَعْدَ وُجُودِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ.

وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا انْكَسَرَتْ يَدُهُ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَرَبَطَ الْجَبَائِرَ عَلَيْهَا ثُمَّ تَوَضَّأَ فَلَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَبِسَ الْخُفَّ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبَائِرِ كَالْغُسْلِ لِمَا تَحْتَهُ مَا دَامَتْ الْعِلَّةُ قَائِمَةً، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّتُ بِوَقْتٍ وَإِنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ وَالْغُسْلِ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْأَصْلِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغُسْلِ لِمَا تَحْتَهُ فَلَا يَضُرُّهُ الْحَدَثُ عِنْدَ رَبْطِ الْجَبَائِرِ، وَأَمَّا الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ فَلَمْ يُجْعَلْ كَغُسْلِ الرِّجْلِ وَلَكِنَّ اسْتِتَارَ الْقَدَمِ بِالْخُفِّ يَمْنَعُ سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ وَلَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَنْهَا وَشَرْطُ جَوَازِ الْمَسْحِ اللُّبْسُ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنِّي أَدْخَلْتُهُمَا وَهُمَا طَاهِرَتَانِ».

وَلَوْ رَبَطَ الْجَبَائِرَ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ أَحْدَثَ فَتَوَضَّأَ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ؛ لِأَنَّ اللُّبْسَ حَصَلَ عَلَى طَهَارَةٍ فَإِنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبَائِرِ كَالْغُسْلِ لِمَا تَحْتَهَا مَا دَامَتْ الْعِلَّةُ قَائِمَةً فَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفِّ وَالْجَبَائِرِ، فَإِنْ بَرِئَ مَا تَحْتَ الْجَبَائِرِ وَهُوَ عَلَى طَهَارَتِهِ فَإِنَّهُ يَغْسِلُ مَوْضِعَهَا وَيُصَلِّي؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبَائِرِ كَانَ مُعْتَبَرًا قَبْلَ الْبُرْءِ فَإِذَا بَرِئَتْ فَقَدْ انْتَهَى حُكْمُ ذَلِكَ الْمَسْحِ فَعَلَيْهِ غَسْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَالْبُرْءُ لَيْسَ بِحَدَثٍ فَلَا يَنْتَقِضُ بِهِ وُضُوءُهُ فَإِنْ غَسَلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ ثُمَّ أَحْدَثَ فَلَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَمْسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا غَسَلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ فَقَدْ تَمَّتْ طَهَارَتُهُ، وَإِنَّمَا اعْتَرَضَ أَوَّلُ الْحَدَثِ بَعْدَ لُبْسِ الْخُفِّ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفِّ وَلَوْ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَغْسِلَ قَدَمَيْهِ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ الْحَدَثِ بَعْدَ لُبْسِ الْخُفِّ مَا طَرَأَ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ فَإِنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبَائِرِ لَا مُعْتَبَرَ بِهِ بَعْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>