للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ بَقِيَتْ جَهَالَةٌ فَهِيَ يَسِيرَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ.

وَالْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يَقُولُونَ فِي دِيَارِنَا: لَا يَجُوزُ إلَّا بِبَيَانِ الْمَحَلَّةِ؛ لِأَنَّ الدُّورَ فِي كُلِّ مَحَلَّةٍ تَتَفَاوَتُ فِي الْقِيمَةِ، وَتُوجَدُ بِمَا سَمَّى لَهُ مِنْ الثَّمَنِ الدَّارُ فِي كُلِّ مَحَلَّةٍ، وَمَقْصُودُ الْآمِرِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَحَالِّ، فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إلَّا بِتَسْمِيَةِ الْمَحَلَّةِ.

قَالَ وَإِذَا كَانَ الصَّبِيُّ حُرًّا مُسْلِمًا، وَأَبُوهُ ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا ارْتَدَّ عَنْ الذِّمَّةِ وَلَحِقَ بِدَارُ الْحَرْبِ، أَوْ مُسْتَأْمَنًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ عَبْدًا لَمْ يَجُزْ تَوْكِيلُ أَحَدِهِمْ عَلَيْهِ بِبَيْعٍ وَلَا شِرَاءٍ وَلَا تَزْوِيجٍ وَلَا خُصُومَةٍ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالتَّصَرُّفِ إنَّمَا يَصِحُّ مِمَّنْ يُبَاشِرُ التَّصَرُّفَ بِنَفْسِهِ، وَمَلَكَ الْأَبُ مُبَاشَرَةَ التَّصَرُّفِ فِي حَقِّ وَلَدِهِ بِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ، وَالرِّقُّ وَاخْتِلَافُ الدِّينِ، وَتَبَايُنُ الدَّارَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا مَانِعٌ مِنْ ثُبُوتِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَسْلَمَ أَوْ عَتَقَ بَعْدَ ذَلِكَ أُجِيزَ مَا مُنِعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَالْعِتْقِ تَثْبُتُ مَقْصُورَةً عَلَى الْحَالِ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِي تَنْفِيذِ تَصَرُّفِهِ سَبْقُ ثُبُوتِ وِلَايَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُرْتَدًّا عَنْ الْإِسْلَامِ لَمْ يَجُزْ تَوْكِيلُهُ عَلَيْهِ أَيْضًا إلَّا أَنْ يُسْلِمَ، فَإِنْ أَسْلَمَ جَازَ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ يَتَوَقَّفُ بَيْنَ أَنْ يَنْفُذَ بِالْإِسْلَامِ أَوْ يَبْطُلَ إذَا قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ، فَكَذَلِكَ فِي حَقٍّ عَلَيْهِ، وَالْوَلَدُ الْكَبِيرُ إذَا كَانَ ذَاهِبَ الْعَقْلِ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ فِيمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ التَّصَرُّفِ لِانْعِدَامِ عَقْلِهِ، فَكَانَ مُوَلًّى عَلَيْهِ كَالصَّبِيِّ

قَالَ: وَإِذَا وَكَّلَ أَبُو الصَّبِيِّ وَكِيلًا بِبَيْعِ مَتَاعِ الصَّبِيِّ وَوَارِثُهُ الْأَبُ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ، إلَّا عِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ يَقُولُ: ثُبُوتُ الْوَكَالَةِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ لِذَلِكَ التَّصَرُّفِ، وَقَدْ بَقِيَ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الصَّبِيِّ، وَازْدَادَ بِتَقَرُّرِ مِلْكِ الْأَبِ فِي الْمَحَلِّ.

لَكِنَّا نَقُولُ: الْأَبُ فِي هَذَا التَّوْكِيلِ كَانَ نَائِبًا عَنْ الصَّبِيِّ، وَقَدْ انْتَهَتْ هَذِهِ النِّيَابَةُ بِمَوْتِ الصَّبِيِّ وَتَوْضِيحُهُ: أَنَّ الْأَبَ فِي هَذِهِ الْوَكَالَةِ إنَّمَا رَضِيَ بِزَوَالِ مِلْكِ الصَّبِيِّ، وَرِضَاهُ بِزَوَالِ مِلْكِ الصَّبِيِّ لَا يَكُونُ رِضًا بِزَوَالِ مِلْكِ نَفْسِهِ، فَإِذَا صَارَ الْمِلْكُ لَهُ بِالْإِرْثِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ، وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ الْأَبُ وَلَمْ يَمُتْ الصَّبِيُّ؛ لِأَنَّ رَأْيَ الْأَبَ قَدْ انْقَطَعَ بِمَوْتِهِ، وَتَصَرُّفُ الْوَكِيلِ كَانَ بِاعْتِبَارِ رَأْيِ الْمُوَكِّلِ وَنَفَاذِ وِلَايَتِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ زَالَ عَقْلُ الْأَبِ أَوْ ارْتَدَّ، وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَقَضَى الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ قَدْ زَالَتْ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ، حَتَّى لَا يَمْلِكَ ابْتِدَاءَ التَّوْكِيلِ، فَإِنْ أَسْلَمَ، لَمْ يُعِدْ الْوَكَالَةَ بِمَنْزِلَةِ وَكَالَتِهِ بِالتَّصَرُّفِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ بِرِدَّةِ الْمُوَكِّلِ، تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَعُودُ بِإِسْلَامِهِ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ، وَكَذَلِكَ فِي تَوْكِيلِهِ بِالتَّصَرُّفِ لِوَلَدِهِ.

قَالَ: وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ بِبَيْعِ شَيْءٍ، أَوْ شِرَائِهِ، أَوْ تَزْوِيجِ امْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا، أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهَا، أَوْ بِخُلْعٍ، أَوْ بِمُكَاتَبَةٍ، أَوْ عِتْقٍ عَلَى مَالٍ، فَفَعَلَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى الرَّأْيِ، وَالتَّدْبِيرِ، وَرِضَاهُ بِرَأْيِ الْمُسَمَّى لَا يَكُونُ إلَّا بِرَأْيِ الْوَاحِدِ، وَيَسْتَوِي فِيهِ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>