للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُ إلَى مَا هُوَ أَضَرُّ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إنْ نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُ الْآمِرِ، فَإِنَّ مَقْصُودَهُ ثَوْبٌ يَهُودِيٌّ يُشْتَرَى لَهُ بِالثَّمَنِ لَا بِمَا دُونَهُ، وَالْجَيِّدُ يُشْتَرَى بِعَشَرَةٍ، فَإِذَا اُشْتُرِيَ بِثَمَانِيَةٍ كَانَ رَدِيئًا، إلَّا أَنْ يَكُونَ وَصَفَ لَهُ صِفَةً وَسَمَّى لَهُ ثَمَنًا؛ فَاشْتَرَى بِتِلْكَ الصِّفَةِ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ، فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ مَقْصُودُهُ حِينَ اشْتَرَاهُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ؛ وَخَالَفَهُ إلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ حِينَ اشْتَرَاهُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ، وَهَذَا لَا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ خِلَافًا.

وَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ دَرَاهِمَ، وَأَمَرَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِهَا طَعَامًا، فَاشْتَرَى بِهَا لَحْمًا وَفَاكِهَةً، لَمْ يَجُزْ عَلَى الْآمِرِ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ اسْمٌ لِمَا يُطْعَمُ، وَالْفَاكِهَةُ وَاللَّحْمُ مَطْعُومٌ، إلَّا أَنَّ جَوَازَهُ عَلَى طَرِيقَةِ النَّاسِ إنَّمَا يَكُونُ إذَا فَوَّضَ الْأَمْرَ لِرَأْيِهِ عَلَى الْعُمُومِ فِي شِرَاءِ الطَّعَامِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ؛ لِأَنَّ الْمَطْعُومَ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَبِتَسْمِيَةِ الثَّمَنِ لَا يَصِيرُ الْجِنْسُ مَعْلُومًا، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ التَّوْكِيلُ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: التَّوْكِيلُ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الطَّعَامَ عِنْدَ ذِكْرِ الشِّرَاءِ، وَذَلِكَ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْحِنْطَةَ وَدَقِيقَهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ سُوقَ الطَّعَامِ مَا يُبَاعُ فِيهِ الْحِنْطَةُ وَدَقِيقُهَا، وَبَائِعُ الطَّعَامِ فِي النَّاسِ مَنْ يَبِيعُ الْحِنْطَةَ وَدَقِيقَهَا دُونَ مَنْ يَبِيعُ الْفَوَاكِهَ، فَصَارَ التَّقْيِيدُ الثَّابِتُ بِالْعُرْفِ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ، ثُمَّ إنْ قَلَّتْ الدَّرَاهِمُ فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا خُبْزًا، وَإِنْ كَثُرَتْ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا الْخُبْزَ؛ لِأَنَّ ادِّخَارَهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، إنَّمَا يُمْكِنُ الِادِّخَارُ فِي الْحِنْطَةِ فَعِنْدَ كَثْرَةِ الدَّرَاهِمِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْخُبْزَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ قَدْ اتَّخَذَ وَلِيمَةً، فَحِينَئِذٍ يُعْلَمُ أَنَّ مُرَادَهُ الْخُبْزُ، وَإِنْ كَثُرَتْ الدَّرَاهِمُ، وَجَعَلَ الدَّقِيقَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْخُبْزِ، وَقَالَ: إنَّمَا يَنْصَرِفُ الْقَلِيلُ مِنْ الدَّرَاهِمِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَلَّ مَا يُدَّخَرُ عَادَةً، وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى جَعَلَ الدَّقِيقَ كَالْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّ الْكَثِيرَ مِنْ الدَّرَاهِمِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَدَّخِرُ الدَّقِيقَ كَمَا تُدَّخَرُ الْحِنْطَةُ، وَإِذَا لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ شَيْئًا وَقَالَ: اشْتَرِ لِي حِنْطَةً فَاشْتَرَاهَا لَمْ يَجُزْ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ الْقَدْرَ، وَجَهَالَةُ الْقَدْرِ فِي الْمَكِيلَاتِ، وَالْمَوْزُونَاتِ، كَجَهَالَةِ الْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَكِيلَ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْآمِرِ بِمَا سَمَّى لَهُ.

وَإِنْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ دَارًا أَوْ لُؤْلُؤَةً، وَلَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ، لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّ اللَّآلِئَ أَنْوَاعٌ مُخْتَلِفَةٌ، فَلَا يَقْدِرُ الْوَكِيلُ عَلَى تَحْصِيلِ اللَّآلِئِ بِمُطْلَقِ التَّسْمِيَةِ، وَكَذَلِكَ الدُّورُ فِي مَعْنَى الْأَنْوَاعِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ، وَبِاخْتِلَافِ الْمَحَالِّ فِي الْبَلْدَةِ، وَبِقِلَّةِ الْمَرَافِقِ.

وَكَثْرَتِهَا؛ وَبِصَلَاحِ الْجِيرَانِ وَفَسَادِهِمْ، وَبِالسَّعَةِ وَالضِّيقِ، فَلَا يَقْدِرُ الْوَكِيلُ عَلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْآمِرِ الْمُوَكِّلِ بِمَا سَمَّى لَهُ، قَالَ: وَإِنْ سَمَّى الثَّمَنَ جَازَ، وَبِتَسْمِيَةِ الثَّمَنِ يَصِيرُ مَعْلُومًا عَادَةً،

<<  <  ج: ص:  >  >>