النِّصْفِ يَضُرُّ بِالْمُوَكِّلِ فِيمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّهُ يَتَبَعَّضُ عَلَيْهِ الْمِلْكُ، وَالشَّرِكَةُ فِي الْأَمْلَاكِ الْمُجْتَمِعَةِ عَيْبٌ، وَأَمْرُهُ إيَّاهُ بِالْبَيْعِ لَا يَتَضَمَّنُ الرِّضَا بِتَعَيُّبِ مِلْكِهِ؛ فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَبِيعَ مَا بَقِيَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ فَحِينَئِذٍ قَدْ زَالَ الضَّرَرُ عَنْهُ وَحَصَلَ مَقْصُودُهُ فَيَجُوزُ.
وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: الْوَكِيلُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِي بَيْعِ الْعَبْدِ، وَالْمُوَكِّلُ مَالِكٌ لِبَيْعِ الْبَعْضِ كَمَا هُوَ مَالِكٌ لِبَيْعِ الْكُلِّ، فَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْجُزْءِ بَاطِلٌ وَاعْتِبَارَ الْكُلِّ صَحِيحٌ، ثُمَّ فِي تَصَرُّفِهِ فِي هَذَا مَنْفَعَةٌ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْكُلَّ بِالثَّمَنِ الَّذِي بَاعَ بِهِ النِّصْفَ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا بَيَّنَّا.
فَإِذَا بَاعَ الْبَعْضَ بِهِ كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ الثَّمَنِ، وَبَقِيَ بَعْضُ الْعَبْدِ عَلَى مِلْكِهِ، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا، فَاشْتَرَى بَعْضَهُ لَمْ يَجُزْ عَلَى الْآمِرِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ مَا بَقِيَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ كُلُّهُ عَلَى الْآمِرِ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِمَا ظَاهِرٌ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَ جَانِبِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ.
وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُفَرِّقُ فَيَقُولُ: الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ لَوْ اشْتَرَى بِالزِّيَادَةِ الْكَثِيرَةِ لَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ، وَالتُّهْمَةُ تَتَمَكَّنُ فِي جَانِبِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ، فَلَعَلَّهُ اشْتَرَى النِّصْفَ لِنَفْسِهِ، فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّ الشَّرِكَةَ عَيْبٌ أَرَادَ أَنْ يُحَوِّلَهُ عَلَى الْآمِرِ، تَوْضِيحُ الْفَرْقِ: أَنَّ صِحَّةَ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ بِتَسْمِيَةِ الْعَبْدِ وَنِصْفُ الْعَبْدِ لَيْسَ بِعَبْدٍ، فَلَا يَصِيرُ بِهِ مُمْتَثِلًا أَمْرَ الْآمِرِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ مَا بَقِيَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ، فَأَمَّا فِي جَانِبِ الْبَيْعِ فَصِحَّةُ التَّوْكِيلِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ لِلْغَيْرِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْبَعْضِ وَالْكُلِّ.
ثُمَّ ذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا اشْتَرَى النِّصْفَ تَوَقَّفَ شِرَاؤُهُ عَلَى رِضَا الْآمِرِ. عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَتَّى لَوْ أَعْتَقَهُ الْوَكِيلُ عَنْ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُوَكِّلُ عَنْ نَفْسِهِ يَجُوزُ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِيرُ الْمُوَكِّلُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ حَقَّا لَوْ أَعْتَقَهُ جَازَ عِتْقُهُ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ مَا بَقِيَ، فَحِينَئِذٍ يَتَحَوَّلُ إلَى الْآمِرِ، فَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: مَقْصُودُ الْمُوَكِّلِ حُصُولُ مِلْكِ الْغَيْرِ لَهُ، وَالْقَدْرُ الَّذِي حَصَلَ مِنْ جُمْلَةِ مَقْصُودِهِ وَلَكِنَّهُ مَعِيبٌ بِعَيْبِ الشَّرِكَةِ، فَيَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ لَهُ، وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِلْعَيْبِ، فَإِذَا قَدِمَ عَلَى الْعِتْقِ صَارَ مُسْقِطًا لِخِيَارِهِ، فَيَنْفُذُ الْعِتْقُ مِنْ جِهَتِهِ، فَإِذَا رَدَّهُ يَصِيرُ الْمِلْكُ لِلْوَكِيلِ حِينَئِذٍ.
كَمَا لَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا، فَرَدَّهُ بِشِرَاءِ الْعَبْدِ، وَالنِّصْفُ لَيْسَ بِعَبْدٍ، وَلَكِنَّهُ يُفْرَضُ أَنْ يَصِيرَ مُوَافِقًا بِشِرَاءِ مَا بَقِيَ، فَقُبِلَ وُجُودُ هَذَا لِمُوَافَقَتِهِ، وَكَانَ خِلَافُهُ ظَاهِرًا، وَكَانَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ، فَنَفَذَ عِتْقُهُ مِنْ جِهَتِهِ.
وَفَرَّقَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ بِأَلْفٍ، إذَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ يَتَقَرَّرُ شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ، حَتَّى إنَّهُ وَإِنْ حَطَّ الْبَائِعُ أَحَدَ الْأَلْفَيْنِ لَا يَصِيرُ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ، وَهُنَا لَوْ اشْتَرَى مَا بَقِيَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ كَانَ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ غَرَضَهُ الْمُوَافَقَةُ هُنَاكَ، بِاعْتِبَارِ مَا لَمْ يَتَنَاوَلْهُ عَقْدُ الْوَكَالَةِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute