وَهُوَ حَطُّ الْأَلْفِ الزَّائِدِ، فَلَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا، وَهُنَا غَرَضُهُ الْمُوَافَقَةُ بِاعْتِبَارِ مَا تَنَاوَلَتْهُ الْوَكَالَةُ، وَهُوَ شِرَاءُ النِّصْفِ الْبَاقِي؛ فَلِهَذَا كَانَ مُعْتَبَرًا
قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلَيْنِ بِبَيْعِ شَيْءٍ، وَأَحَدُهُمَا عَبْدٌ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، أَوْ صَبِيٌّ، لَمْ يَجُزْ لِلْآخَرِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِبَيْعِهِ؛ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِرَأْيِهِ وَحْدَهُ، حَتَّى ضَمَّ إلَيْهِ رَأْيَ الْآخَرِ، وَلَوْ كَانَا حُرَّيْنِ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا، وَالْآخَرُ حَاضِرٌ، فَأَجَازَ الْبَيْعَ كَانَ جَائِزًا؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْعَقْدِ بِرَأْيِهِمَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ فُضُولِيٌّ فَأَجَازَهُ جَازَ، وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ أَحَدُهُمَا وَأَجَازَهُ الْآخَرُ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَبِيعَهُ؛ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِرَأْيِهِ وَحْدَهُ.
قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ خَادِمَةٍ لَهُ فَبَاعَهَا، ثُمَّ أَقَالَ الْبَيْعَ الْبَائِعُ فِيهَا، لَزِمَهُ الْمَالُ وَالْخَادِمُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ مُبْتَدَأٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا، فَهُوَ شِرَاءٌ مُبْتَدَأٌ، وَلِلْمُوَكِّلِ غَيْرُهُمَا فَيُجْعَلُ فِي حَقِّهِمَا حَقُّهُ، كَأَنَّ الْوَكِيلَ اشْتَرَاهُ ابْتِدَاءً، وَيَسْتَوِي إنْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ مِنْ عَيْبٍ أَوْ مِنْ غَيْرِ عَيْبٍ، وَلَوْ وَكَّلَ الصَّبِيَّ بِبَيْعِ خَادِمٍ فَبَاعَهَا جَازَ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ الْعَاقِلَ لَهُ عِبَارَةٌ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا، حَتَّى يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ، فَكَذَلِكَ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِتَوْكِيلِ الْمَالِكِ إيَّاهُ بِذَلِكَ؛ وَهَذَا لِأَنَّ اعْتِبَارَ عِبَارَتِهِ بِتَمَحُّضِ مَنْفَعَةٍ لَهُ فِيهِ يَمْتَازُ الْآدَمِيُّ مِنْ الْبَهَائِمِ، وَيَحْصُلُ لَهُ بِهَذَا التَّصَرُّفِ مَعْنَى التَّجْرِبَةِ، فَيَصِيرُ مُهْتَدِيًا إلَى التَّصَرُّفَاتِ، عَالِمًا بِطُرُقِ التَّحَرُّزِ عَنْ أَسْبَابِ الْغَبْنِ، وَذَلِكَ مَحْضُ مَنْفَعَةٍ لَهُ، ثُمَّ الْعُهْدَةُ عَلَى الْآمِرِ إذَا لَمْ يَكُنْ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا؛ لِأَنَّ فِي إلْزَامِ الْعُهْدَةِ إيَّاهُ ضَرَرًا، وَالصَّبِيُّ يُبْعَدُ عَنْ الْمَضَارِّ، فَإِذَا تَعَذَّرَ إيجَابُ الْعُهْدَةِ عَلَيْهِ تَعَلَّقَ بِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ، وَهُوَ مَنْ انْتَفَعَ بِهَذَا التَّصَرُّفِ، وَهُوَ الْآمِرُ فَكَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ مَأْذُونًا لَهُ، فَحِينَئِذٍ تَلْحَقُهُ الْعُهْدَةُ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِذْنِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْبَالِغِ فِي الْتِزَامِ الْعُهْدَةِ بِالتَّصَرُّفِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ فِيمَا يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ تَلْحَقُهُ الْعُهْدَةُ، فَكَذَلِكَ فِيمَا يَتَصَرَّفُ لِغَيْرِهِ، وَالْعَبْدُ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ، إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ؛ يَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ بَعْدَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْعَبْدِ مُلْزِمٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ؛ لِكَوْنِهِ مُخَاطَبًا، وَإِنَّمَا لَا يَكُونُ مُلْزِمًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى، وَقَدْ سَقَطَ حَقُّهُ بِالْعِتْقِ، فَأَمَّا قَوْلُهُ: الصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ لَيْسَ بِمُلْزَمٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ؛ فَلِهَذَا لَا تَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ بَعْدَ الْبُلُوغِ
وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ مَجْنُونًا لَا يَعْقِلُ فَبَيْعُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قَوْلٌ مُعْتَبَرٌ، فَرُكْنُ التَّصَرُّفِ: الْقَوْلُ الْمُعْتَبَرُ شَرْعًا، وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَأْمُورُ مُرْتَدًّا جَازَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعِبَارَةِ الْمُعْتَبَرَةِ، وَلَكِنْ يُوقَفُ حُكْمُ الْعُهْدَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ أَسْلَمَ كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَالْعُهْدَةُ عَلَى الْآمِرِ، وَعِنْدَهُمَا الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَهُوَ يُظْهِرُ اخْتِلَافَهُمْ فِي تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ لِنَفْسِهِ بَيْعًا أَوْ شِرَاءً.
وَلَوْ وَكَّلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute