للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِنَفْسِهِ ثُمَّ دَفَعَهُ إلَى مَنْ فِي عِيَالِهِ لَمْ يَصِرْ ضَامِنًا وَهَذَا لِأَنَّ الْوَكِيلَ أَمِينٌ فِي الْمَقْبُوضِ وَالْأَمِينُ يَحْفَظ الْأَمَانَةَ تَارَةً بِيَدِهِ وَتَارَةً بِيَدِ مَنْ فِي عِيَالِهِ

قَالَ وَإِنْ وَكَّلَهُ بِتَقَاضِي كُلِّ دَيْنٍ لَهُ ثُمَّ حَدَثَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ دَيْنٌ فَهُوَ وَكِيلٌ فِي قَبْضِهِ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَكُونُ وَكِيلًا فِي قَبْضِهِ لِأَنَّهُ سَمَّى فِي الْوَكَالَةِ كُلَّ دَيْنٍ لَهُ وَالدَّيْنُ اسْمٌ لِمَا هُوَ وَاجِبٌ فَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَا كَانَ وَاجِبًا عِنْدَ الْمُوَكِّلِ دُونَ مَا يَحْدُثُ وَلَكِنَّهُ اُسْتُحْسِنَ لِلْعَادَةِ فَإِنَّ النَّاسَ بِهَذَا التَّوْكِيلِ لَا يَقْصِدُونَ تَخْصِيصَ الْوَاجِبِ عَلَى مَا يَحْدُثُ وُجُوبُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُوَكِّلُ الْغَيْرَ بِقَبْضِ غَلَّاتِهِ وَمُرَادُهُ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ وَاجِبٌ وَمَا يَحْدُثُ وُجُوبُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا لِأَنَّ مَقْصُودَهُ فِي هَذَا التَّوْكِيلِ صِيَانَةُ هَذَا النَّوْعِ مِنْ مَالِهِ بِقَبْضِ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ لَا يَتَفَرَّغُ لِذَلِكَ بِنَفْسِهِ لِكَثْرَةِ اشْتِغَالِهِ وَفِي هَذَا الْمَعْنَى لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا هُوَ وَاجِبٌ وَبَيْنَ مَا يَحْدُثُ وُجُوبُهُ فَإِنْ جَحَدَ الْغَرِيمُ الدَّيْنَ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْوَكِيلُ بِالتَّقَاضِي وَالْقَبْضِ وَكِيلٌ بِالْخُصُومَةِ فَيَثْبُتُ الدَّيْنُ بِالْبَيِّنَةِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَكُونُ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ فَيَتَوَقَّفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَحْضُرَ الطَّالِبُ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلَيْنِ بِالْقَبْضِ فَقَبَضَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَبْرَأْ الْغَرِيمُ حَتَّى يَصِلَ ذَلِكَ إلَى الْآخَرِ وَيَقَعَ فِي أَيْدِيهِمَا جَمِيعًا لِأَنَّهُ رَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا جَمِيعًا فَلَا يَكُونُ رَاضِيًا بِأَمَانَةِ أَحَدِهِمَا وَلَكِنْ إذَا وَقَعَ فِي أَيْدِيهِمَا تَمَّ مَقْصُودُ الْمُوَكِّلِ الْآنَ فَكَأَنَّهُمَا بَاشَرَا الْعَقْدَ بِالْقَبْضِ مِنْ الْغَرِيمِ

وَإِذَا قَالَ لِغَيْرِهِ وَكَّلْتُك بِدَيْنِي فَهُوَ وَكِيلٌ بِقَبْضِهِ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَكُونُ وَكِيلًا لِجَهَالَةِ مَا وَكَّلَهُ بِهِ مِنْ اسْتِبْدَالٍ أَوْ صُلْحٍ أَوْ قَبْضٍ أَوْ إبْرَاءٍ وَهَذِهِ جَهَالَةٌ غَيْرُ مُسْتَدْرَكَةٍ وَلَكِنَّهُ اُسْتُحْسِنَ لِلْعَادَةِ فَالْمُرَادُ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي الْعَادَةِ التَّوْكِيلُ بِالْقَبْضِ وَمَعْنَى كَلَامِهِ وَكَّلْتُك بِدَيْنِي لِتَعَيُّنِهِ وَتَعَيُّنُهُ بِالْقَبْضِ يَكُونُ وَلِأَنَّ الْقَبْضَ مُتَيَقَّنٌ بِهِ إذْ لَيْسَ فِيهِ تَغْيِيرُ شَيْءٍ مِنْ حَقِّ الْمُوَكِّلِ وَهُوَ مُوجَبٌ الدَّيْنَ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ فَيَنْصَرِفُ التَّوْكِيلُ إلَيْهِ وَهَذَا نَظِيرُ الِاسْتِحْسَانِ الَّذِي قَالَ فِيمَا إذَا وَكَّلَهُ بِمَالِهِ يَكُونُ وَكِيلًا بِالْحِفْظِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ الْوَكَالَةَ ثُمَّ ذَهَبَ فَقَبَضَ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا وَلَمْ يَبْرَأْ الْغَرِيمُ مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ قَدْ ارْتَدَّتْ بِرَدِّهِ فَكَانَ هُوَ فِي الْقَبْضِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَلِهَذَا لَا يَبْرَأُ الْغَرِيمُ وَيَرْجِعُ الطَّالِبُ بِمَالِهِ عَلَى الْغَرِيمِ ثُمَّ إنْ كَانَ الْمَقْبُوضُ قَائِمًا فِي يَدِ الْوَكِيلِ اسْتَرَدَّهُ الْغَرِيمُ مِنْهُ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ سَلَّمَهُ إلَيْهِ لِيَسْتَفِيدَ مِنْهُ الْبَرَاءَةَ مِنْ الدَّيْنِ وَهُوَ لَمْ يَسْتَفِدْ وَإِنْ هَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِ الْوَكِيلِ رَجَعَ عَلَيْهِ الْغَرِيمُ فَضَمِنَهُ إنْ كَانَ كَذَّبَهُ فِي الْوَكَالَةِ لِأَنَّهُ قَبَضَ مِنْهُ الْمَالَ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَفِيدَ الْبَرَاءَةَ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ أَوْ يَمْلِكَ مَا فِي ذِمَّتِهِ فَإِذَا لَمْ يَسْتَفِدْ هَذَا لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِقَبْضِهِ بَلْ هُوَ فِي حَقِّهِ كَالْغَاصِبِ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>