للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيَّهمَا شَاءَ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ تُوَثَّقُ بِهِ وَأَمْرُهُ إيَّاهُ بِالْقَبْضِ لِتَحْقِيقِ مَعْنَى الصِّيَانَةِ وَذَلِكَ يُزَادُ بِالتَّوَثُّقِ بِهِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَخَذَ كَفِيلًا عَلَى أَنْ أَبْرَأَهُ فَحِينَئِذٍ لَا تَجُوزُ الْبَرَاءَةُ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الْآمِرِ وَهَذَا بِخِلَافِ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ تَوَثُّقًا لِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ لَكِنَّ فِيهِ نَوْعَ ضَرَرٍ عَلَى الْآمِرِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ فِي الْمَرْهُونِ فَهَلَاكُهُ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا وَيَسْقُطُ حَقُّهُ فَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الْآمِرِ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَهُ فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ لَهُ فَهُوَ وَكِيلٌ بِالْحِفْظِ وَلَيْسَ بِوَكِيلٍ فِي تَقَاضٍ وَلَا شِرَاءٍ وَلَا بَيْعٍ إلَّا فِي قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ يَقُولُ ظَاهِرُ لَفْظِهِ يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ كُلَّهُ فَإِنَّهُ مِنْ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ الَّذِي لَهُ أَنْ يُبَاشِرَهُ بِوِلَايَتِهِ فِي مَالِهِ وَلَكِنَّا نَقُولُ قَدْ عَرَفْنَا يَقِينًا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَذَا اللَّفْظِ جَمِيعَ مَالِهِ أَنْ يَفْعَلَهُ وَإِنَّمَا يُثْبِتُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْقَدْرَ الْمُتَيَقَّنَ وَالْمُتَيَقَّنُ بِهِ هُوَ الْحِفْظُ فَلَا يَمْلِكُ إلَّا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ وَكَّلْتُك بِمَالِي

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَهُ بِتَقَاضِي دَيْنِهِ بِالشَّامِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَقَاضَى دَيْنَهُ بِالْعِرَاقِ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَتَقَيَّدُ بِتَقْيِيدِ الْمُوَكِّلِ وَتَقْيِيدُهُ بِمَوْضِعٍ كَتَقْيِيدِهِ بِشَخْصٍ بِأَنْ يُوَكِّلَهُ بِتَقَاضِي دَيْنِهِ عَلَى فُلَانٍ فَكَمَا أَنَّ هُنَاكَ الْوَكَالَةُ لَا تَعْدُو إلَى غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ هُنَا وَهَذَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَعِينُ بِغَيْرِهِ فِيمَا يَعْجِزُ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ وَقَدْ يَعْجِزُ عَنْ مُبَاشَرَةِ الْقَبْضِ لِدُيُونِهِ فِي مَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ

قَالَ وَإِذَا وَكَّلَ ذِمِّيٌّ مُسْلِمًا بِتَقَاضِي خَمْرٍ لَهُ عَلَى ذِمِّيٍّ كَرِهْت لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَقْبِضَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَأْمُورٌ بِالِاجْتِنَابِ عَنْ الْخَمْرِ مَمْنُوعٌ مِنْ الِاقْتِرَابِ مِنْهَا وَفِي الْقَبْضِ اقْتِرَابٌ مِنْهَا وَلِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِقَبْضِ الدَّيْنِ مِنْ وَجْهِ تَوْكِيلٍ بِتَمْلِيكِ الدَّيْنِ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَالْوَكِيلُ يُمَلِّكُ الْمَطْلُوبَ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِمَا يَقْبِضُهُ وَتَوْكِيلُ الذِّمِّيِّ الْمُسْلِمَ بِتَمَلُّكِ الْخَمْرِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنَّ هُنَا يَجُوزُ أَنْ يَقْبِضَ فِي حَقِّ بَرَاءَةِ الْغَرِيمِ لِأَنَّهُ مِنْ وَجْهٍ تَعْيِينٌ لِمَا كَانَ مَمْلُوكًا لِلطَّالِبِ دَيْنًا فَكَانَ كَالْوَكِيلِ بِقَبْضِ الْعَيْنِ وَمِنْ وَجْهٍ يَتَضَمَّنُ التَّمْلِيكَ وَلَكِنْ لَا يَتَوَقَّفُ هَذَا عَلَى فِعْلِ الْوَكِيلِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ إذَا أَتَى بِالدَّيْنِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْ الطَّالِبِ أَوْ وَكِيلِهِ بَرِئَ فَلَمَّا كَانَ إتْيَانُهُ لَا يَسْتَدْعِي فِعْلًا مِنْ الْوَكِيلِ قُلْنَا يَجُوزُ وَلَمَّا كَانَ أَنَّ فِيهِ تَمْلِيكَ الْخَمْرِ مِنْ وَجْهٍ قُلْنَا يُكْرَهُ تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ بِهِ

قَالَ وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ اقْضِ عَنِّي فُلَانًا مِنْ مَالِك أَلْفَ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَقْضِيكَهَا فَقَالَ الْمَأْمُورُ قَدْ دَفَعْتهَا إلَى فُلَانٍ وَصَدَّقَهُ الْآمِرُ فَإِنَّ الطَّالِبَ يَأْخُذُ الْآمِرَ بِمَا لَهُ لِأَنَّ دَعْوَى الْمَأْمُورِ لِلْقَضَاءِ كَدَعْوَى الْآمِرِ بِمَا لَهُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُصَدَّقٍ فِيمَا يَدَّعِي مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ إلَّا بِحُجَّةٍ فَكَذَا الْمَأْمُورُ لَا يُصَدَّقُ وَلَكِنْ إذَا حَلَفَ الطَّالِبُ أَخَذَ مَالَهُ مِنْ الْغَرِيمِ وَلَا شَيْءَ لِلْمَأْمُورِ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِدَفْعٍ يَكُونُ مُبْرِئًا لَهُ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>