يَحْصُلُ بِدَلَالَةِ الْعُرْفِ وَلَوْ بَاعَهُ وَلَمْ يَرْتَهِنْ بِهِ رَهْنًا لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ لِأَنَّ الْآمِرَ قَيَّدَ التَّوْكِيلَ بِمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهُ وَهُوَ الِارْتِهَانُ بِالثَّمَنِ لِيَكُونَ حَقُّهُ مَضْمُونًا وَلِيَنْدَفِعَ عَنْهُ ضَرَرُ الثَّوَاءِ عِنْدَ مَوْتِ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا فَإِذَا بَاعَهُ وَلَمْ يَرْتَهِنْ بِهِ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ.
كَمَا لَوْ قَالَ بِعْهُ وَاشْتَرِطْ الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ وَارْتَهِنْ أَمْرٌ مُبْتَدَأٌ مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَوَّلِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِهِ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ.
كَمَا لَوْ قَالَ بِعْ وَأَشْهِدْ قُلْنَا لَا كَذَلِكَ فَإِنَّ هَذِهِ الْوَاوَ بِمَعْنَى الْحَالِ أَيْ بِعْهُ فِي حَالِ مَا تَرْتَهِنُ بِالثَّمَنِ مَعَ أَنَّا نَقُولُ قَوْلُهُ وَارْتَهِنْ يَقْتَضِي الْأَمْرَ بِمَا يَسْتَبِدُّ بِهِ وَذَلِكَ بِرَهْنٍ مَشْرُوطٍ فِي الْبَيْعِ لِيَصِيرَ ذَلِكَ حَقًّا لَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ بِعْهُ بِشَرْطِ أَنْ تَرْتَهِنَ بِالثَّمَنِ رَهْنًا وَمَا قُلْنَا فِي قَوْلِهِ وَاشْتَرِطْ الْخِيَارَ بِخِلَافِ الْإِشْهَادِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ شَرْطًا لَازِمًا فِي الْبَيْعِ وَإِنْ ذُكِرَ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِهِ الْأَمْرُ بِالْبَيْعِ وَلَوْ قَالَ بِعْهُ بِرَهْنِ ثِقَةٍ فَارْتَهَنَ رَهْنًا أَقَلَّ مِنْهُ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ جَازَ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ قَيَّدَ الِارْتِهَانَ هُنَا بِأَنْ يَكُونَ ثِقَةً وَهُوَ عِبَارَةٌ عَمَّا يَكُونُ فِي مَالِيَّتِهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ إلَّا أَنَّ قَدْرَ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَكَانَ عَفْوًا
قَالَ وَإِنْ ارْتَهَنَ رَهْنًا ثِقَةً وَقَبَضَهُ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ جَازَ رَدُّهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ وَالِارْتِهَانُ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ وَحَقُّ الْقَبْضِ إلَى الْوَكِيلِ حَتَّى لَوْ أَبْرَأَ الْمُشْتَرِيَ مِنْهُ كَانَ صَحِيحًا فَإِذَا رَدَّهُ عَلَيْهِ الرَّاهِنُ بِسَبَبٍ كَانَ صَحِيحًا أَيْضًا وَلَكِنَّهُ يَصِيرُ ضَامِنًا وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا قِيلَ عَلَى قَوْلِهِ لَا يَصِحُّ رَدُّ الرَّهْنِ بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَقِيلَ لَا يَصِحُّ هُنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ وَهُوَ مِنْ صُنْعِ التُّجَّارِ فَيَمْلِكُهُ قَالَ وَإِنْ وَضَعَهُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ كَوْنَ الرَّهْنِ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ أَوْ عَلَى يَدَيْ الْوَكِيلِ سَوَاءٌ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ وَهُوَ اخْتِصَاصُهُ الرَّهْنَ عِنْدَ تَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْآمِرُ بِيَدِ الْوَكِيلِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِهِ وَلَيْسَ لِلْمُوَكِّلِ قَبْضُ الرَّهْنِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَا رَضِيَ بِقَبْضِهِ إنَّمَا رَضِيَ بِقَبْضِ الْعَدْلِ أَوْ قَبْضِ الْوَكِيلِ وَرِضَاهُ مُعْتَبَرٌ فِي مِلْكِهِ وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي الْقَرْضِ بِرَهْنٍ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا
قَالَ وَإِذَا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَقَالَ لَهُ ائْتِ بِهَا فُلَانًا وَقُلْ لَهُ إنَّ فُلَانًا أَقْرَضَك هَذِهِ عَلَى أَنْ تُعْطِيَهُ بِهَا رَهْنًا وَأَمَرَنِي أَنْ أَقْبِضَ الرَّهْنَ مِنْك فَآتِيه بِهِ فَفَعَلَ وَقَبَضَ الرَّهْنَ فَهُوَ جَائِزٌ وَالرَّهْنُ مَقْبُوضٌ وَلِلْآمِرِ أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْ الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ رَسُولًا حِينَ أَمَرَهُ أَنْ يُضِيفَ مَا يَقُولُ لَهُ إلَى الْآمِرِ وَقَدْ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَلَيْسَ عَلَى الرَّسُولِ إلَّا تَبْلِيغَ الرِّسَالَةِ فَأَمَّا شَيْءٌ مِنْ الْحُقُوقِ لَا يَتَعَلَّقُ بِالرَّسُولِ فَكَانَ لِلْآمِرِ أَنْ يَقْبِضَ الرَّهْنَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute