وَكَّلَ الذِّمِّيُّ الْمُسْلِمَ أَنْ يَرْهَنَ لَهُ عَبْدًا ذِمِّيًّا بِخَمْرٍ أَوْ يَرْهَنَ لَهُ خَمْرًا بِدَرَاهِمَ فَإِنْ أَضَافَهُ الْوَكِيلُ إلَى الْآمِرِ وَأَخْبَرَ بِهِ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ صَحَّ لِأَنَّ صِحَّةَ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ يَنْبَنِي عَلَى صِحَّةِ الْعِبَادَةِ وَلَا يَصِيرُ الرَّسُولُ عَاقِدًا وَكَانَ هَذَا وَمَا لَوْ بَلَّغَهُ كِتَابًا كَتَبَ بِهِ الْآمِرُ سَوَاءٌ وَإِنْ قَالَ أَقْرِضْنِي لَمْ يَكُنْ رَهْنًا لِأَنَّهُ عَاقِدٌ لِنَفْسِهِ وَالْمُسْلِمُ لَا يَعْقِدُ عَلَى الْآمِرِ بِالْخَمْرِ اسْتِقْرَاضًا وَلَا رَهْنًا بِهَا بِالدَّيْنِ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَكُونَ مَضْمُونًا لِلرَّاهِنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْخَمْرُ مَضْمُونَةً لِلْمُسْلِمِ عَلَى الذِّمِّيِّ
وَإِذَا قَالَ لِرَجُلٍ ائْتِ فُلَانًا وَقُلْ لَهُ أَقْرِضْنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ وَامْسِكْ هَذَا الْعَبْدَ عِنْدَك رَهْنًا بِهَا فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ أَشْهَدَ أَنَّهُ قَدْ أَخْرَجَهُ مِنْ الْوَكَالَةِ فَلَمْ يُبَلِّغْ ذَلِكَ الْوَكِيلَ حَتَّى رَهَنَ الْعَبْدَ فَإِنَّ الرَّهْنَ جَائِزٌ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ حُكْمَ الْخِطَابِ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُخَاطَبِ حَتَّى يُبْلِغَهُ وَهُوَ خَاطَبَهُ بِالْعَزْلِ وَالنَّهْيِ عَنْ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ فَلَمَّا لَمْ يُبْلِغْهُ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ فَلِهَذَا جَازَ رَهْنُهُ وَإِنْ أَرْسَلَ إلَيْهِ بِذَلِكَ رَسُولًا أَوْ كَتَبَ إلَيْهِ كِتَابًا فَرَهَنَهُ بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ يَعْنِي إذَا وَصَلَ إلَيْهِ لِأَنَّ حُكْمَهُ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ بِالْوُصُولِ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمَا الْمُرْتَهِنُ بِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِمَا هُوَ الْأَصْلُ وَهُوَ ثُبُوتُ الْوَكَالَةِ حَتَّى يَظْهَرَ الْعَزْلُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ قَدْ أَبْلَغَهُ إخْرَاجَهُ مِنْ الْوَكَالَةِ قَبِلَ أَنْ يَرْهَنَهُ فَحِينَئِذٍ يُجْعَلُ الثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ قَالَ وَإِنْ كَانَ رَبُّ الْعَبْدِ بَاعَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ سَلَّمَهُ وَلَمْ يُعْلَمْ بِهِ الْوَكِيلَ حَتَّى رَهَنَهُ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ بِمَا أَحْدَثَ مِنْ التَّصَرُّفِ خَرَجَ الْمَحَلِّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلرَّهْنِ أَوْ أَخْرَجَ نَفْسَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا فِيهِ التَّصَرُّفَ الَّذِي فَوَّضَهُ إلَى الْوَكِيلِ فَيَتَضَمَّنُ عَزْلَ الْوَكِيلِ حُكْمًا وَالْعَزْلُ الْحُكْمِيُّ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بَلْ ثُبُوتُهُ لِضَرُورَةِ ثُبُوتِ ذَلِكَ الْحُكْمِ قَالَ وَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ رَهَنَهُ ثُمَّ افْتَكَّهُ وَلَمْ يُعْلَمْ بِهِ الْوَكِيلَ حَتَّى رَهَنَهُ لَمْ يَجُزْ رَهْنُهُ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُوَكِّلِ قَدْ تَمَّ بِمَا بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ وَبِالِانْفِكَاكِ لَا يَنْفَسِخُ رَهْنُهُ مِنْ الْأَصْلِ بَلْ يَتَقَرَّرُ حُكْمُهُ لِأَنَّ الرَّهْنَ إنَّمَا يُعْقَدُ إلَى وَقْتِ الْفِكَاكِ فَكَانَ الْفِكَاكُ تَقْدِيرًا لَا فَسْخًا فَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ أَنْ يَرْهَنَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَ بِبَيْعِهِ ثُمَّ بَاعَهُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ انْفَسَخَ بَيْعُهُ مِنْ الْأَصْلِ بِسَبَبٍ فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْآمِرِ لَمْ يَتِمَّ بِمَا صَنَعَ وَلِأَنَّ بِانْفِسَاخِهِ مِنْ الْأَصْلِ صَارَ ذَلِكَ الْعَقْدُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَكَذَلِكَ إذَا وَكَّلَ الْآمِرُ آخَرَ بِرَهْنِهِ فَرَهَنَهُ فَقَدْ خَرَجَ الْأَوَّلُ مِنْ الْوَكَالَةِ لِأَنَّ فِعْلَ وَكِيلِهِ لَهُ كَفِعْلِهِ بِنَفْسِهِ
وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ رَهَنَهُ ثُمَّ وَكَّلَ الْمَوْلَى بِرَهْنِهِ رَجُلًا ثُمَّ افْتَكَّهُ الْمَوْلَى ثُمَّ رَهَنَهُ الثَّانِي فَهُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ لَمَّا حَصَلَ فِي حَالٍ لَا يَمْلِكُ مُبَاشَرَةَ الرَّهْنِ بِنَفْسِهِ عَرَفْنَا أَنَّ مَقْصُودَهُ إضَافَةَ التَّوْكِيلِ إلَى حَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute