للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَبِلَ الْوَكَالَةَ فِي حَالِ جُنُونِهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ؛ لِأَنَّ بِالْإِفَاقَةِ يَزْدَادُ التَّمَكُّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَلَا يَزُولُ مَا كَانَ ثَابِتًا

قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَ مُسْلِمٌ مُسْلِمًا بِالطَّلَاقِ فَارْتَدَّ الْوَكِيلُ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ جَاءَ مُسْلِمًا كَانَ عَلَى وَكَالَتِهِ إذَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْغَيْبَةِ فَأَمَّا بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ فَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ بَيَّنَّا الْخِلَافَ فِيهِ

قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ وَالْوَكِيلُ غَائِبٌ لَا يَعْلَمُ فَطَلَّقَهَا فَالطَّلَاقُ بَاطِلٌ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْعُقُودِ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَثْبُتُ قَبْلَ عِلْمِ الْوَكِيلِ بِهَا كَمَا فِي الْعَزْلِ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ عِلْمِهِ وَهَذَا الْأَصْلُ الَّذِي قُلْنَا: إنَّ حُكْمَ الْخِطَابِ فِي حَقِّ الْمُخَاطَبِ لَا يَثْبُتُ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ نَائِبٌ عَنْ الْمُوَكِّلِ مُعَبِّرٌ عَنْ مَنَافِعِهِ فِي التَّصَرُّفِ لَهُ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِعِلْمِهِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ إذَا تَصَرَّفَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي قَبْلَ عِلْمِهِ بِالْوَصِيَّةِ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْوِصَايَةَ خِلَافَةٌ وَهُوَ النَّائِبُ فِيهَا وَلِأَنَّ أَوَانَهَا بَعْدَ انْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْمُوصِي وَقَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ وَإِنَّمَا جُوِّزَ ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ فَالْحَاجَةُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي تُصْرَفُ إلَى مَنْ يَتَصَرَّفُ قِيَاسِيَّةً، فَأَمَّا هُنَا فَالْوَكَالَةُ إنَابَةٌ وَالْمُوَكِّلُ قَادِرٌ عَلَى التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِ حُكْمِ الْوَكَالَةِ قَبْلَ عِلْمِ الْوَكِيلِ بِهَا

قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَهُ بِطَلَاقِهَا فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ، ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَقَعْ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ ارْتَدَّتْ بِرَدِّهِ فَكَأَنَّهَا ارْتَدَّتْ بِرُجُوعِ الْمُوَكِّلِ عَنْهَا وَإِنْ لَمْ يَقُلْ الْوَكِيلُ قَبِلْت وَإِنْ قَالَ: رَدَدْت حِينَ طَلَّقَهَا وَقَعَ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَقَعُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ مُعِيرٌ لِمَنَافِعِهِ وَالْإِعَارَةُ لَا تَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ السُّكُوتِ فَمَا لَمْ يَصِرْ وَكِيلًا لَا يَعْمَلُ إيقَاعُهُ.

، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ دَلِيلَ الْقَبُولِ وَإِقْدَامَهُ عَلَى مَا فُوِّضَ إلَيْهِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ مِنْ أَدَلِّ الدَّلَائِلِ عَلَى قَبُولِهِ الْوَكَالَةَ فَقَدْ يُبَاشِرُ بَعْدَ الْقَبُولِ وَقَدْ لَا يُبَاشِرُ

قَالَ: وَإِذَا وَكَّلَ الصَّحِيحُ وَكِيلًا بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ طَلَّقَهَا الْوَكِيلُ فِي مَرَضِ الْمُوَكِّلِ، ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَرِثَتْ لِأَنَّ إيقَاعَ الْوَكِيلِ كَإِيقَاعِ الْمُوَكِّلِ بِنَفْسِهِ فَإِنْ قِيلَ: بَعْدَ وُقُوعِ الثَّلَاثِ بَقَاءُ مِيرَاثِهَا بِاعْتِبَارِ الْفِرَارِ مِنْ الزَّوْجِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ هُنَا فَإِنَّ التَّوْكِيلَ كَانَ فِي الصِّحَّةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا فِي مَالِهِ حَقٌّ يَوْمئِذٍ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الزَّوْجِ صُنْعٌ بَعْدَهُ قُلْنَا: لَا مُعْتَبَرَ لِقَصْدِ الْفِرَارِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ وَلَكِنْ مَتَى كَانَ وُقُوعُ الثَّلَاثِ عَلَيْهَا فِي مَرَضِهِ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى مُضَافٍ إلَيْهِ يُجْعَلُ فَارًّا وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ هُنَا مَعَ أَنَّهُ قَادِرٌ مُتَمَكِّنٌ مِنْ عَزْلِ الْوَكِيلِ بَعْدَ مَرَضِهِ فَاسْتِدَامَةُ الْوَكَالَةِ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْعَزْلِ بِمَنْزِلَةِ إنْشَاءِ التَّوْكِيلِ فِي أَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ الْفِرَارِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ عَبْدًا فَأُعْتِقَ بَعْدَ التَّوْكِيلِ، ثُمَّ مَرِضَ فَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ أَوْ وَكَّلَ الذِّمِّيُّ بَعْدَ إسْلَامِ الْمَرْأَةِ، ثُمَّ أَسْلَمَ الزَّوْجُ وَمَرِضَ فَطَلَّقَهَا الْوَكِيلُ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَدِيمَ الْوَكَالَةَ بَعْدَ تَعَلُّقِ حَقِّهَا بِمَالِهِ، وَكَذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>