للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعْلِيقُ الْمُسْلِمِ الْوَكَالَةَ بِمَرَضِهِ لِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِالشَّرْطِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ فَكَأَنَّهُ أَنْشَأَ التَّوْكِيلَ بَعْدَ مَرَضِهِ

قَالَ: وَإِذَا شَهِدَ الْمَوْلَيَانِ عَلَى وَكَالَةِ زَوْجِ أَمَتِهِمَا بِالطَّلَاقِ وَأَنَّ الْوَكِيلَ قَدْ طَلَّقَ أَوْ شَهِدَا عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّ الزَّوْجَ طَلَّقَهَا بِنَفْسِهِ فَإِنْ كَانَتْ الْأَمَةُ تَدَّعِي ذَلِكَ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ تَجْحَدُ، فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمْنَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَعْتَبِرُ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارَ فِي شَهَادَةِ الِابْنَيْنِ لِأَبِيهِمَا، فَكَذَلِكَ فِي شَهَادَةِ الْمَوْلَيَيْنِ لِأَمَتِهِمَا وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَعْتَبِرُ الْمَنْفَعَةَ، وَعَلَى سَبِيلِ الِابْتِدَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: هُمَا فِي مَعْنَى الشَّاهِدَيْنِ لِأَنْفُسِهِمَا؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْبُضْعِ يَعُودُ إلَيْهِمَا بَعْدَ طَلَاقِ الزَّوْجِ وَشَهَادَتُهُ لِنَفْسِهِ أَوْ فِيمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لَهُ لَا تَكُونُ مَقْبُولَةً وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: هَذِهِ الشَّهَادَةُ تَقُومُ بِطَرِيقِ الْحِسْبَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْإِنْسَانِ خَصْمًا فِي مُنَافَاةِ الشَّهَادَةِ أَبْلَغَ مِنْ مَنْفَعَتِهِ لَهُ فِي ذَلِكَ وَكُلُّ أَحَدٍ خَصْمٌ فِيمَا هُوَ حَقُّ الشَّرْعِ وَمَعَ ذَلِكَ كَانَتْ شَهَادَتُهُ فِي ذَلِكَ مَقْبُولَةً كَالزِّنَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ فِيمَا لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ مَعَ أَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لَهُمَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الطَّلَاقِ سُقُوطُ مِلْكِ الزَّوْجِ عَنْهَا أَوْ حُرْمَةُ الْمَحَلِّ عَلَيْهِ لَا انْتِقَالُ ذَلِكَ الْمِلْكِ إلَى الْمَوْلَيَيْنِ، وَكَذَلِكَ إذَا سَقَطَ مِلْكُ الزَّوْجِ ظَهَرَ مِلْكُ الْمَوْلَيَيْنِ لِفَرَاغِ الْمَحَلِّ عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ وَبِهَذَا لَا يُمْنَعُ قَبُولُ الشَّهَادَةِ كَصَاحِبَيْ الدَّيْنِ إذَا شَهِدَا لِلْمَدْيُونِ بِمَالِ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِمَا عَلَى إنْسَانٍ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ وَإِنْ كَانَا يَتَمَكَّنَانِ مِنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِمَا إذَا قَبَضَ الْمَشْهُودُ لَهُ الْمَالَ

وَإِذَا قَالَ: الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ طَلِّقْ امْرَأَتِي إنْ شِئْت أَوْ إنْ هَوَيْت أَوْ أَرَدْت فَقَامَ مِنْ الْمَجْلِسِ بَطَلَ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِلْمَشِيئَةِ مِنْهُ وَذَلِكَ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ كَتَمْلِيكِ الْمَشِيئَةِ فِي الْقَبُولِ بِإِيجَابِ الْبَيْعِ لَهُ وَالْوَكِيلُ هُنَا فِي مَعْنَى الْمُخَيَّرِ وَقَدْ اتَّفَقَتْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى أَنَّ الْمُخَيَّرَةَ لَهَا الْخِيَارُ مَا دَامَتْ فِي مَجْلِسِهَا؛ لِأَنَّهَا مَالِكَةٌ لِلرَّأْيِ وَالْمَشِيئَةِ، مُتَمَكِّنَةٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ فَقِيَامُهَا مِنْ دَلِيلِ الْإِعْرَاضِ، فَكَذَلِكَ بِهَذَا اللَّفْظِ يَصِيرُ مُتَمَكِّنًا مِنْ الرَّأْيِ وَالْمَشِيئَةِ وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِلْأَجْنَبِيِّ طَلِّقْهَا فَإِنَّ ذَلِكَ إنَابَةٌ وَاسْتِعَارَةٌ لِمَنَافِعِهِ فَيَقُومُ هُوَ فِي الْإِيقَاعِ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ وَهَذَا تَفْوِيضٌ لِلْمَشِيئَةِ إلَيْهِ لَا اسْتِعَارَةُ شَيْءٍ مِنْهُ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتَ وَكِيلِي فِي طَلَاقِهَا إنْ شَاءَتْ أَوْ هَوَيْت أَوْ أَرَادَتْ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا حَتَّى تَشَاءَ هِيَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسِهَا لِأَنَّهُ عَلَّقَ التَّوْكِيلَ بِمَشِيئَتِهَا، وَلَوْ عَلَّقَ الْوُقُوعَ بِمَشِيئَتِهَا اقْتَصَرَ ذَلِكَ عَلَى الْمَجْلِسِ وَتَأَخَّرَ الْوُقُوعُ إلَى حِينِ وُجُودِ مَشِيئَتِهَا، فَكَذَلِكَ إذَا عَلَّقَ التَّوْكِيلَ وَإِذَا صَارَ وَكِيلًا فَإِنْ قَامَ الْوَكِيلُ مِنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ قَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>