عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا غَلَطٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَ مَشِيئَتِهَا إنَّمَا تَثْبُتُ الْوَكَالَةُ بِقَوْلِ الزَّوْجِ: أَنْتَ وَكِيلِي فِي طَلَاقِهَا، وَذَلِكَ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ.
كَمَا لَوْ نُجِزْ هَذَا اللَّفْظَ، وَلَكِنْ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: إنْ شَاءَتْ الطَّلَاقَ، وَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ، وَلَئِنْ كَانَ الْمُرَادُ إنْ شَاءَتْ هَذِهِ الْوَكَالَةَ فَثُبُوتُ الْوَكَالَةِ بِالْإِيقَاعِ بِنَاءً عَلَى مَا فُوِّضَ إلَيْهَا مِنْ الْمَشِيئَةِ وَمَشِيئَتُهَا تَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَهُوَ لَا يَتَأَبَّدُ، فَكَذَلِكَ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ مِنْ تَمَكُّنِ الْوَكِيلِ مِنْ الْإِيقَاعِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي الْكِتَابِ فَقَالَ: لِأَنَّهَا وَكَالَةٌ بِالْمَشِيئَةِ وَقَعَتْ بِحَيْثُ لَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ فَسْخَهَا، وَلَوْ جَعَلَ قَوْلَهُ أَنْتَ وَكِيلٌ فِي طَلَاقِهَا مُنْفَصِلًا عَنْ الْمَشِيئَةِ يَمْلِكُ الزَّوْجُ فَسْخَهَا وَإِنْ قَالَ: أَنْتَ وَكِيلِي فِي طَلَاقِهَا إنْ شِئْت فَإِنْ شَاءَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ قَامَ قَبْلَ أَنْ يَشَاءَ فَلَا وَكَالَةَ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْوَكَالَةِ بِمَشِيئَتِهِ يَكُونُ مِلْكًا لِلرَّأْيِ، وَالْمَشِيئَةُ مِنْهُ كَتَعْلِيقِ الْإِيقَاعِ بِمَشِيئَتِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا
وَإِنْ قَالَ: أَنْتَ وَكِيلِي فِي طَلَاقِهَا عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَالْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ وَالْخِيَارُ بَاطِلٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: عَلَى أَنَّ فُلَانَةَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي كُلِّ تَصَرُّفٍ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ بَاشَرَهُ فِي مَنْعِ صِفَةِ اللُّزُومِ وَالْوَكَالَةُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا اللُّزُومُ بِحَالٍ فَاشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِيمَا لَا يَكُونُ مُفِيدًا يَكُونُ بَاطِلًا، وَلِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ لِيَتَمَكَّنَ بِهِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ مِنْ التَّفَرُّدِ بِالْفَسْخِ بِغَيْرِ رِضَا صَاحِبِهِ وَهَذَا فِي الْوَكَالَةِ ثَابِتٌ بِدُونِ اشْتِرَاطِ صَاحِبِ الْخِيَارِ وَكَمَا لَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ فِي الْوَكَالَةِ لَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ لِغَيْرِهِ
قَالَ: وَلَوْ وَكَّلَهُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَقَالَ الْوَكِيلُ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا لَمْ يَقَعْ وَإِنْ جَاءَ الْغَدُ لِأَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَيْهِ التَّخْيِيرُ، وَالْإِضَافَةُ إلَى وَقْتِ التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ غَيْرُ التَّخْيِيرِ
قَالَ: وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ لَمْ يَقَعْ؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَقَعَتْ وَقَعَتْ بِحِصَّتِهَا مِنْ الْأَلْفِ وَالزَّوْجُ لَمْ يَرْضَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَجِبَ لَهُ عَلَيْهَا جَمِيعُ الْأَلْفِ فَكَانَ بِمَا صَنَعَ مُخَالِفًا وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُوَكِّلِ، بِخِلَافِ التَّوْكِيلِ بِالْإِيقَاعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَإِنْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ مَا هُوَ مَقْصُودُ الزَّوْجِ مِنْ الْمَالِ وَنَفْعُهُ لِبَقَاءِ صِفَةِ الْحِلِّ فِي الْمَحَلِّ حِينَ اقْتَصَرَ عَلَى إيقَاعِ الْوَاحِدَةِ وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ بِالْخُلْعِ قَبْضُ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الَّذِي مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ فِي بَابِ الْخُلْعِ إيقَاعُ الطَّلَاقِ، وَالْوَكِيلُ مُعَبِّرٌ عَنْهُ إمَّا حَقِيقَةً بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ أَوْ حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لِلْإِيقَاعِ بِنَفْسِهِ فَهُوَ نَظِيرُ وَكِيلِ الْمَوْلَى فِي الْعِتْقِ بِجُعْلٍ أَوْ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ بِتَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ لَهُ قَبْضُ الْبَدَلِ
قَالَ: وَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ وَلَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَلَمْ يُسَمِّ لَهُ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا فَإِنْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَى إحْدَى نِسَائِهِ جَازَ لِأَنَّهُ مُمْتَثِلٌ أَمْرَهُ فَإِنَّهُ أَمَرَهُ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute