للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَشْجُوجَ يَجُوزُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ نَصِفُ الْعُشْرِ وَيَرُدُّ تِسْعَةَ أَعْشَارٍ وَنِصْفَ الْعُشْرِ إنْ كَانَ قَبَضَ، لِأَنَّ مَا يَحْدُثُ مِنْهَا النَّفْسُ، وَهُوَ إنَّمَا جَعَلَ الْخَمْسَمِائَةِ بِالصُّلْحِ عِوَضًا عَنْ جَمِيعِ الدِّيَةِ وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَاجِبَ كَانَ بَعْدَ نَصِفْ عُشْرِ الدِّيَةِ فَيُمْسِكُ مِنْ بَدَلِ الصُّلْحِ حِصَّةَ حَقِّهِ وَيَرُدُّ مَا بَقِيَ مِنْهُ، وَلَوْ مَاتَ عَنْ مَالِ الشَّجَّةِ وَلَهُ مَالٌ كَثِيرٌ يُخْرِجُ مَا حَطَّهُ مِنْ ثُلُثِهِ جَازَ ذَلِكَ عَلَى الْوَكِيلِ إنْ كَانَ ضَمِنَهُ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالصُّلْحِ عَنْ الشَّجَّةِ وَهُوَ إنَّمَا صَالَحَ عَنْ النَّفْسِ وَالْمَشْجُوجُ أَسْقَطَ مِنْ حَقِّهِ مَا زَادَ عَنْ الْخَمْسمِائَةِ وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ مِنْهُ فَإِذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ كَانَ جَائِزًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَشْجُوجِ مَالٌ إلَّا الدِّيَةَ جَازَتْ وَصِيَّتُهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ ثُمَّ يُخَاصِمُ أَوْلِيَاءَ الْمَشْجُوجِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الشَّجَّةَ فِي مِقْدَارِ الثُّلُثَيْنِ فَإِنْ ثَبَتَ لَهُمْ عَلَيْهِ أَخَذُوا تَمَامَ ذَلِكَ مِنْهُ لِبُطْلَانِ وَصِيَّةِ الْمَشْجُوجِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَلَوْ أَنَّ الْمَشْجُوجَ حَطَّ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ جَازَ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ، قِيلَ هَذَا قَوْلُهُمَا فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لِأَنَّ وَكِيلَ الْمَشْجُوجِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ، وَقِيلَ بَلْ هَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا لِأَنَّ بَدَلَ الشَّجَّةِ مَعْلُومٌ شَرْعًا فَالتَّوْكِيلُ بِالصُّلْحِ يَنْصَرِفُ مُطْلَقُهُ إلَى ذَلِكَ وَلَكِنَّ قَدْرَ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ يَكُونُ عَفْوًا لِأَنَّ مَبْنَى الصُّلْحِ عَلَى الْإِغْمَاضِ وَالتَّجَوُّزِ بِدُونِ الْحَقِّ.

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا بِالصُّلْحِ فِي الشَّجَّةِ خَاصَّةً فَصَالَحَ عَلَيْهَا وَعَلَى مَا يَحْدُثُ مِنْهَا عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ وَضَمِنَ الْوَكِيلُ ثُمَّ مَاتَ الْمَشْجُوجُ فَالصُّلْحُ يَلْزَمُ الْوَكِيلَ دُونَ الْآمِرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ اسْمَ الشَّجَّةِ لَا يَتَنَاوَلُ النَّفْسَ فَالْآمِرُ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالصُّلْحِ عَنْ الشَّجَّةِ وَهُوَ قَدْ صَالَحَ عَنْ النَّفْسِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ اسْمُ الشَّجَّةِ يَتَنَاوَلُ الشَّجَّةَ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا فَإِذَا وَكَّلَهُ بِالصُّلْحِ عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهَا كَانَ هُوَ مُمْتَثِلًا أَمْرَهُ فِيمَا صَنَعَ لَا مُبْتَدِئًا شَيْئًا آخَرَ

قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالصُّلْحِ فِي شَجَّةٍ فَصَالَحَهُ عَنْ الشَّجَّةِ وَعَنْ جُرْحٍ آخَرَ مِثْلَهَا جَازَ عَلَى الْمُوَكِّلِ النِّصْفُ لِأَنَّهُ فِي حِصَّةِ ذَلِكَ مُمْتَثِلٌ أَمْرَهُ وَفِي الْجِرَاحَةِ هُوَ مُبْتَدِئٌ فَهُوَ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ وَإِنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ الْأُخْرَى أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ جَازَ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِحِسَابِ تِلْكَ الشَّجَّةِ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى الْوَكِيلِ إذَا ضَمِنَهُ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالْتِزَامِ ذَلِكَ قَالَ وَإِذَا وَكَّلَهُ بِالصُّلْحِ فِي مُوضِحَةٍ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا فَصَالَحَ عَنْ مُوضِحَتَيْنِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُمَا وَضَمِنَ جَازَ عَلَى الْمُوَكِّلِ النِّصْفُ وَلَزِمَ الْوَكِيلَ النِّصْفُ سَوَاءٌ مَاتَ أَوْ عَاشَ لِأَنَّهُ فِي أَحَدِ الْمُوضِحَتَيْنِ مُمْتَثِلٌ أَمْرَهُ وَفِي الْأُخْرَى مُتَبَرِّعٌ بِالصُّلْحِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ فَإِنْ وَكَّلَهُ بِالصُّلْحِ فِي مُوضِحَةٍ ادَّعَاهَا قِبَلَ فُلَانٍ فَصَالَحَ الْوَكِيلَ عَلَيْهَا وَعَلَى غَيْرِهَا جَازَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَجُزْ عَلَى غَيْرِهَا لِأَنَّ وَكِيلَ الطَّالِبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>