للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمُوجَبُ جِنَايَةِ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ سَوَاءٌ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي دَمٍ خَطَأً لِمَا ذَكَرْنَا

قَالَ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ عَبْدًا وَحُرًّا عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَوَكَّلَ مَوْلَى الْعَبْدِ وَأَوْلِيَاءُ الْحُرِّ وَكِيلًا فَصَالَحَ الْقَاتِلَ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ كَانَتْ بَيْنَهُمْ يَضْرِبُ فِيهَا أَوْلِيَاءُ الْعَبْدِ بِقِيمَتِهِ وَأَوْلِيَاءُ الْحُرِّ بِالدِّيَةِ.

كَمَا لَوْ صَالَحَا بِأَنْفُسِهِمَا وَهَذَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَضْرِبُ فِي بَدَلِ الصُّلْحِ بِجَمِيعِ حَقِّهِ وَحَقُّ مَوْلَى الْعَبْدِ فِي قِيمَةِ الْعَبْدِ وَحَقُّ أَوْلِيَاءِ الْحُرِّ فِي الدِّيَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ أَلْفًا وَقِيمَةُ الْعَبْدِ خَمْسِمِائَةٍ وَالْقَتْلُ عَمْدٌ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْقِصَاصُ دُونَ الْمَالِ وَالْمَالُ فِي الصُّلْحِ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ لَا يَتَقَدَّرُ بِشَيْءٍ شَرْعًا فَأَمَّا إذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً فَلِوَرَثَةِ الْحُرِّ مِنْ ذَلِكَ عَشَرَةُ آلَافٍ وَالْبَاقِي لِمَوْلَى الْعَبْدِ لِأَنَّ دِيَةَ الْحُرِّ فِي الْخَطَأِ مُقَدَّرَةٌ شَرْعًا بِعَشَرَةِ آلَافٍ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا فَلِهَذَا كَانَ لِوَرَثَةِ الْحُرِّ عَشَرَةُ آلَافٍ قَالَ وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ قُتِلَ عَمْدًا وَالْحُرُّ خَطَأً فَصَالَحَ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ أَلْفًا كَانَ لِأَوْلِيَاءِ الْحُرِّ عَشَرَةُ آلَافٍ لِمَا بَيَّنَّا وَمَا بَقِيَ فَلِمَوْلَى الْعَبْدِ لِأَنَّهُ فِي حَقِّهِ هَذَا صُلْحٌ عَنْ الْقَوَدِ فَيَجُوزُ عَلَى قَدْرٍ مِنْ الْبَدَلِ قَالَ وَلَوْ كَانَ الْحُرُّ قُتِلَ عَمْدًا وَالْعَبْدُ خَطَأً كَانَ الصُّلْحُ جَائِزًا وَهُوَ مِثْلُ الْبَابِ الْأَوَّلِ لِمَا قُلْنَا

قَالَ وَلَوْ أَنَّ نَصْرَانِيًّا شَجَّ مُوضِحَةً فَوَكَّلَ الْمَطْلُوبُ وَكِيلًا مُسْلِمًا فَصَالَحَ عَنْهُ بِخَمْرٍ وَضَمِنَ لَهُ لَمْ يَجُزْ وَكَانَ الذِّمِّيُّ عَلَى حَقِّهِ لِأَنَّهُ مُلْتَزِمٌ بَدَلَهُ حِينَ ضَمِنَهُ بِعَقْدِ الصُّلْحِ وَالْتِزَامُ الْمُسْلِمِ الْخَمْرَ لَا يَكُونُ صَحِيحًا وَلَمَّا وَكَّلَهُ بِأَنْ يُصْلِحَ وَيَضْمَنَ كَانَ التَّوْكِيلُ بَاطِلًا فَيَبْطُلُ الصُّلْحُ أَيْضًا وَالنَّصْرَانِيُّ عَلَى حَقِّهِ قَالَ وَلَوْ كَانَ الطَّالِبُ وَكَّلَ مُسْلِمًا فَصَالَحَ عَنْهُ عَلَى خَمْرٍ جَازَ لِأَنَّ وَكِيلَ الطَّالِبِ سَفِيرٌ عَنْهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْحُقُوقِ وَلَا إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ قَبْضِ الْبَدَلِ وَهُوَ قِيَاسُ نَصْرَانِيَّةٍ وَكَّلَتْ مُسْلِمًا أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ نَصْرَانِيٍّ عَلَى خَمْرٍ وَذَلِكَ جَائِزٌ فَهَذَا مِثْلُهُ

قَالَ وَلَوْ كَانَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ مُسْلِمَيْنِ وَقَدْ وَكَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذِمِّيًّا فَصَالَحَ عَلَى خَمْرٍ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْوَكِلَيْنِ سَفِيرَانِ عَنْ الْمُسْلِمَيْنِ فَلَا يَكُونُ إلَيْهِمَا مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ شَيْءٌ فَيَكُونُ صُلْحُهُمَا كَصُلْحِ الْمُوَكِّلَيْنِ

قَالَ وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا قُتِلَ خَطَأً فَوَكَّلَ مَوْلَاهُ وَكِيلًا بِالصُّلْحِ فَصَالَحَ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ جَازَ ذَلِكَ وَيَرُدُّ الْمَوْلَى مِنْ ذَلِكَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لِأَنَّ بَدَلَ نَفْسِ الْعَبْدِ فِي الْخَطَأِ لَا يُزَادُ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ إلَّا عَشَرَةً فَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ أَخْذٌ بِغَيْرِ حَقٍّ فَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ وَعَلَى قِيَاسِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا تَتَقَدَّرُ نَفْسُ الْعَبْدِ بِشَيْءٍ وَلَكِنْ تَجِبُ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ لَا يُلْزِمُهُ بِهِ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَتْ شَجَّةً فَصَالَحَ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ جَازَ لِأَنَّ بَدَلَ الطَّرْفِ مِنْ الْعَبْدِ فِي الْجِنَايَةِ لَا يَتَقَدَّرُ بِشَيْءٍ بَلْ تَجِبُ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ بِمَنْزِلَةِ الْجِنَايَةِ عَلَى الْأَمْوَالِ وَقَدْ ذَكَرَ هُنَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُسَلِّمُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>