للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهُوَ جَائِزٌ ضَامِنٌ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ يَتَأَتَّى بِإِحْضَارِهِ أَوْ إخْرَاجِهِ مِنْ السِّجْنِ وَشَرْطُ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ يَأْبَى التَّسْلِيمَ

وَإِذَا طَلَبَ رَجُلٌ إلَى رَجُلٍ أَنْ يَكْفُلَ بِنَفْسِ آخَرَ فَفَعَلَ فَإِنَّ الْكَفِيلَ يُؤْخَذُ بِهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ وَلَا عَلَى الْمَكْفُولِ بِهِ أَمَّا الْكَفِيلُ فَلِأَنَّهُ الْتَزَمَ تَسْلِيمَ مَا يَتَأَتَّى تَسْلِيمُهُ فَيُؤْخَذُ بِهِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ إذَا كَفَلَ بِنَفْسِهِ وَهُوَ يَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ لِأَنَّهُ مَا ضَمِنَ لَهُ شَيْئًا وَإِنَّمَا أَشَارَ عَلَيْهِ بِمَشُورَةٍ وَلَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْمَشُورَةُ مُلْزِمَةً إيَّاهُ شَيْئًا وَإِنَّمَا اللُّزُومُ بِالْتِزَامِهِ بِاخْتِيَارِهِ فَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ

وَإِذَا كَفَلَ بِنَفْسِهِ إلَى شَهْرٍ ثُمَّ دَفَعَهُ إلَيْهِ قَبْلَ الشَّهْرِ بَرِئَ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ إنَّمَا كَانَ لِحَقِّ الْكَفِيلِ حَتَّى لَا يَضِيقَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فِي الْمُطَالَبَةِ قَبْلَ الشَّهْرِ فَإِذَا سَلَّمَهُ قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ فَقَدْ أَوْفَى مَا عَلَيْهِ وَأَسْقَطَ حَقَّ نَفْسِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ إذَا قَضَاهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْأَجَلِ بَرِئَ وَلَمْ يَكُنْ لِلطَّالِبِ أَنْ يَأْبَى الْقَبُولَ فَكَذَلِكَ هُنَا لَا يَكُونُ لِلْمَكْفُولِ أَنْ يَأْبَى الْقَبُولَ

وَإِذَا دَفَعَ الْمَكْفُولُ بِهِ إلَى الطَّالِبِ فِي السِّجْنِ وَقَدْ حَبَسَهُ غَيْرَهُ فَإِنَّ الْكَفِيلَ لَا يَبْرَأُ مِنْهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّسْلِيمِ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ إحْضَارِهِ مَجْلِسَ الْحَكَمِ لِيُثْبِتَ حَقَّهُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى إذَا كَانَ مَحْبُوسًا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ تَسْلِيمِ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ أَوْ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ فِي مَفَازَةٍ أَوْ مَوْضِعٍ يَسْتَطِيعُ الْمَكْفُولُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الطَّالِبِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِهَذَا التَّسْلِيمِ لَا يَحْصُلُ لِلطَّالِبِ فَهُوَ نَظِيرُ الْمُؤَجِّرِ إذَا سَلَّمَ الدَّارَ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَهُنَاكَ غَاصِبٌ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّكْنَى لَا يَكُونُ هَذَا التَّسْلِيمُ مُعْتَبَرًا

وَإِذَا دَفَعَ إلَيْهِ فِي مِصْرٍ غَيْرِ الْمِصْرِ الَّذِي كَفَلَ بِهِ وَفِيهِ سُلْطَانٌ أَوْ قَاضٍ بَرِئَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يَبْرَأُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ حَتَّى يَدْفَعَهُ إلَيْهِ فِي الْمِصْرِ الَّذِي كَفَلَ بِهِ فِيهِ قِيلَ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ لَا اخْتِلَافُ حُكْمٍ فَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ وَقَدْ شَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِهِ بِالصِّدْقِ فَكَانَتْ الْغَلَبَةُ لِأَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْقُضَاةُ لَا يَرْغَبُونَ فِي الْمَيْلِ بِالرِّشْوَةِ وَعَامِلُ كُلِّ مِصْرٍ يَنْقَادُ لِأَمْرِ الْخَلِيفَةِ فَلَا يَقَعُ التَّفَارُقُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْمِصْرِ أَوْ فِي مِصْرٍ آخَرَ ثُمَّ تَغَيَّرَ الْحَالُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَظَهَرَ أَهْلُ الْفَسَادِ وَالْمَيْلِ مِنْ الْقُضَاةِ إلَى أَخْذِ الرِّشْوَةِ فَقَالَا يَتَقَيَّدُ التَّسْلِيمُ بِالْمِصْرِ الَّذِي كَفَلَ لَهُ فِيهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الطَّالِبِ ثُمَّ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ مَقْصُودَ الطَّالِبِ التَّسْلِيمُ فِي مَوْضِعٍ يُمْكِنُ فِيهِ إثْبَاتُ حَقِّهِ عَلَيْهِ بِالْحُجَّةِ وَرُبَّمَا يَكُونُ شُهُودُهُ عَلَى الْحَقِّ فِي ذَلِكَ الْمِصْرِ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ الْكَفَالَةُ فَإِذَا سَلَّمَهُ إلَيْهِ فِي مِصْرٍ آخَرَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِ الْحَقِّ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ سَلَّمَهُ إلَيْهِ فِي الْمَفَازَةِ.

وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ

<<  <  ج: ص:  >  >>