للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْقِصَاصِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا تُجْرَى النِّيَابَةُ فِي إيفَائِهِ وَالْكَفَالَةُ الْتِزَامُ التَّسْلِيمِ فَإِذَا حَصَلَ بِمَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْكَفِيلِ؛ كَانَ بَاطِلًا. فَأَمَّا تَسْلِيمُ النَّفْسِ فَتُجْرَى فِيهِ النِّيَابَةُ فَلِهَذَا صَحَّتْ الْكَفَالَةُ وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ قِبَلَهُ. غَيْرَ أَنَّهُ كَفَلَ لَهُ، بِنَفْسِهِ فَالْكَفَالَةُ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ الْحُضُورَ عِنْدَ دَعْوَاهُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ. (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ حَضَرَ مَجْلِسَ الْقَاضِي وَادَّعَى قِبَلَهُ شَيْئًا أَحْضَرَهُ مَجْلِسَهُ لِلْجَوَابِ وَالدَّعْوَى لَيْسَتْ بِسَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْحُضُورَ مُسْتَحَقٌّ إذَا لَمْ يَسْبِقْ مَا يَنْفِيه؛ فَلِهَذَا جَازَتْ الْكَفَالَةُ وَكَانَ التَّسْلِيمُ مُسْتَحَقًّا فَعَرَفْنَا أَنَّ الْحُضُورَ مُسْتَحَقٌّ إذَا لَمْ يَسْبِقْ مَا يَنْفِيه فَلِهَذَا جَازَتْ الْكَفَالَةُ وَكَانَ التَّسْلِيمُ مُسْتَحَقًّا بِمَا الْتَزَمَهُ بِعَقْدِ الْكَفَالَةِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ كَفَلَ عَنْهُ بِمَالٍ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ وَإِنْ كَانَ الْأَصِيلُ مُنْكِرًا لِلْمَالِ وَجُعِلَ كَالثَّابِتِ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ فَإِنْ خَاصَمَ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ الطَّالِبَ إلَى الْقَاضِي وَقَالَ: إنَّهُ لَا حَقَّ لِهَذَا قِبَلَ الَّذِي كَفَلْتُ بِهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ يَأْخُذُهُ بِالْكَفَالَةِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ تَسْلِيمَ نَفْسِهِ فَيَكُونُ مُطَالَبًا بِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ مَا يَنْفِيه وَمَا ادَّعَاهُ قِبَلَ الطَّالِبِ مِنْ إسْقَاطِ حَقِّهِ عَنْ الْمَطْلُوبِ فَإِنَّهُ هُوَ لَيْسَ بِخَصْمٍ فِيهِ فَلِهَذَا لَا يُسْأَلُ الْخَصْمُ عَنْهُ

وَلَكِنْ إنْ أَقَرَّ الطَّالِبُ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ قِبَلَ الْمَكْفُولِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِوَصِيٍّ لِمَيِّتٍ قِبَلَهُ خُصُومَةٌ وَلَا حَقَّ لَهُ قِبَلَهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ؛ فَإِنَّ الْكَفِيلَ يَبْرَأُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَنْفِي اسْتِحْقَاقَ تَسْلِيمِ النَّفْسِ لِلْمُقِرِّ عَلَى الْمَطْلُوبِ. وَبَرَاءَةُ الْأَصِيلِ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ وَقَدْ ذُكِرَ قَبْلَ هَذَا أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ وَاخْتَلَفَ الْجَوَابُ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ فَإِنَّهُ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ هُنَاكَ فِيمَا إذَا أَقَرَّ مُطْلَقًا أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ قِبَلَهُ، وَهَذَا لَا يُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الطَّالِبُ صَبِيًّا أَوْ وَكِيلًا وَهُنَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا فَسَّرَ إقْرَارَهُ بِمَا يُبْقِي اسْتِحْقَاقَهُ لِتَسْلِيمِ النَّفْسِ عَنْهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَكَذَلِكَ لَوْ جَحَدَ الطَّالِبُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَشَهِدَ عَلَيْهِ بِهَا شَاهِدَانِ؛ بَرِئَ لِظُهُورِ مَا يَنْفِي اسْتِحْقَاقَ تَسْلِيمِ النَّفْسِ عَنْ الْمَطْلُوبِ. وَالثَّابِتُ بِشَهَادَةِ الْعَدَالَةِ كَالثَّابِتِ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ أَوْ أَقْوَى مِنْهُ، وَقَوْلُهُ ضَمِنْت وَكَفَلْت وَهُوَ عَلَيَّ أَوْ إلَيَّ سَوَاءٌ، يَصِيرُ بِهِ كَفِيلًا بِالنَّفْسِ أَمَّا الضَّمَانُ: فَهُوَ مُوجَبٌ عَقْدِ الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِهِ ضَامِنًا لِلتَّسْلِيمِ، وَالْعَقْدُ يَنْعَقِدُ بِالتَّصْرِيحِ بِمُوجَبِهِ كَعَقْدِ الْبَيْعِ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ وَكَذَلِكَ كَفَلْت فَإِنَّ اسْمَ هَذَا الْعَقْدِ هُوَ الْكَفَالَةُ وَالْعَقْدُ يَنْعَقِدُ بِالتَّصْرِيحِ بِاسْمِهِ.

وَلَفْظُ الْقَبَالَةِ كَلَفْظِ الْكَفَالَةِ فَإِنَّ الْكَفِيلَ يُسَمَّى: قَبِيلًا وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الِالْتِزَامِ وَمِنْهُ يُسَمَّى الصَّكُّ - الَّذِي هُوَ وَثِيقَةٌ - قَبَالَةً، وَلَفْظُ الزَّعَامَةِ كَذَلِكَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: ٧٢] وَقَوْلُهُ وَهُوَ عَلَيَّ أَيْ أَنَا مُلْتَزِمٌ بِتَسْلِيمِهِ لِأَنَّ مَبْلَغَ كَلِمَاتِ اللُّزُومِ عَلَيَّ وَإِلَيَّ، وَإِلَيَّ هُنَا بِمَعْنَى عَلَيَّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا أَوْ عِيَالًا فَإِلَيَّ» أَوْ قَالَ عَلَيَّ مَعْنَاهُ أَنَا مُلْتَزِمٌ لَهُ

وَإِذَا أَبْرَأَ الطَّالِبُ الْكَفِيلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>