للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْكَفِيلُ: أَنْشَأْت الْكَفَالَةَ بِهَذَا اللَّفْظِ فَلَمْ يَصِحَّ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ لِأَنَّ صِيغَةَ كَلَامِهِ إقْرَارٌ وَلِأَنَّا لَوْ حَمَلْنَا كَلَامَهُ عَلَى الْإِقْرَارِ كَانَ صَحِيحًا وَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْإِنْشَاءِ لَمْ يَصِحَّ. وَكَلَامُ الْعَاقِلِ مَهْمَا أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى وَجْهٍ صَحِيحٍ؛ يُحْمَلُ عَلَيْهِ. وَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلطَّالِبِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ

وَإِذَا كَفَلَ رَجُلٌ بِنَفْسِ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوثَقْ بِهِ غَدًا فَهُوَ كَفِيلٌ بِنَفْسِ فُلَانٍ لِرَجُلٍ آخَرَ وَلِلطَّالِبِ قِبَلَهُ حَقٌّ فَذَلِكَ جَائِزٌ إنْ لَمْ يُوَافِ بِالْأَوَّلِ كَانَ عَلَيْهِ الثَّانِي وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - الْآخَرُ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ - وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَالْكَفَالَةُ بِنَفْسِ الْأَوَّلِ صَحِيحَةٌ وَبِنَفْسِ الثَّانِي بَاطِلَةٌ نُصَّ عَلَى الْخِلَافِ بَعْدَ هَذَا فِي الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ. وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ وَالْكَفَالَةُ بِالْمَالِ فِي هَذَا سَوَاءٌ. وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ هَذِهِ مُخَاطَرَةٌ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْكَفَالَةَ بِالشَّرْطِ وَتَعْلِيقُهَا لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنَا كَفِيلٌ لَك بِنَفْسِ فُلَانٍ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَفَلَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ فَعَلَيْهِ الْمَالُ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ هُنَاكَ أَنْ لَا تَصِحَّ الْكَفَالَةُ الثَّانِيَةُ لِكَوْنِهَا مُخَاطَرَةً وَكُنَّا اسْتَحْسَنَّا لِلتَّعَامُلِ الْجَارِي بَيْنَ التُّجَّارِ وَهَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ كَانَ سَبَبًا لِلْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا اتِّصَالًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَأَمَّا الْكَفَالَةُ بِنَفْسِ عَمْرٍو فَلَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِلْكَفَالَةِ بِنَفْسِ زَيْدٍ فَلَا اتِّصَالَ بَيْنَ الْكَفَالَتَيْنِ هُنَا فَوَجَبَ اعْتِبَارُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ وَالثَّانِيَةُ مِنْهُمَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْخَطَرِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - قَالَا: تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِخَطَرِ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ صَحِيحٌ كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ لَمْ أُوَافِكَ بِهِ غَدًا فَعَلَيَّ مَا لَكَ عَلَيْهِ وَهَذَا لِأَنَّ الْكَفَالَتَيْنِ حَصَلَتَا لِشَخْصٍ وَاحِدٍ فَكَانَ فِي تَصْحِيحِ الثَّانِيَةِ تَأْكِيدٌ يُوجِبُ الْأُولَى لِأَنَّ مُوجَبَهَا الْمُوَافَاةُ فَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُوَافِ بِهِ لَزِمَتْهُ الْكَفَالَةُ الثَّانِيَةُ جَدَّ فِي طَلَبِهِ لِيُوَافِيَ بِهِ حَتَّى يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ ضَرَرَ الْتِزَامِ الْكَفَالَةِ الثَّانِيَةِ

وَلَوْ قَالَ: أَنَا كَفِيلٌ لِفُلَانٍ أَوْ لِفُلَانٍ كَانَ جَائِزًا بِدَفْعِ أَيِّهِمَا شَاءَ الْكَفِيلُ إلَى الْمَكْفُولِ لَهُ فَيَبْرَأُ مِنْ الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْمَكْفُولِ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ عَلَى مَا بَيَّنَهُ فِي قَوْلِهِ: مَا ثَبَتَ لَك عَلَى فُلَانٍ فَهُوَ عَلَيَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ثُمَّ الْكَفِيلُ بِهَذَا اللَّفْظِ يَكُونُ مُلْتَزِمًا تَسْلِيمَ أَحَدِهِمَا إلَى الطَّالِبِ لِإِقْحَامِهِ حَرْفَ أَوْ بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ الْخِيَارُ فِي بَيَانِ مَا الْتَزَمَهُ إلَيْهِ وَأَيَّهُمَا سَلَّمَ فَقَدْ وَفَّى بِمَا شَرَطَ

وَإِذَا قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ: لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ مَالٌ فَاكْفُلْ لَهُ بِنَفْسِهِ فَقَالَ: قَدْ فَعَلْت ثُمَّ بَلَغَ الطَّالِبُ فَقَالَ أَجَزْت فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَرَى بَيْنَ اثْنَيْنِ وَلَوْ كَانَ الْمُلْتَزِمُ وَكِيلَ الطَّالِبِ كَانَتْ الْكَفَالَةُ صَحِيحَةً فَإِذَا كَانَ فُضُولِيًّا تَوَقَّفَتْ عَلَى إجَازَتِهِ فَإِذَا أَجَازَ صَارَ مُلْتَزِمًا وَلِلْكَفِيلِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْكَفَالَةِ قَبْلَ قُدُومِ الطَّالِبِ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ اللُّزُومَ عَنْ نَفْسِهِ عِنْدَ إجَازَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>