للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأَجَلُ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ لَا يَصِيرُ مِنْ الْعَقْدِ وَلَكِنَّ تَأْثِيرَهُ فِي تَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ إلَى هَذِهِ كَمَا فِي الْكَفَالَةِ فَإِنْ قِيلَ مَا يَقُولُونَ فِيمَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِصَدَاقٍ مُؤَجَّلٍ إلَى هَذَا الْأَجَلِ فَإِنَّ الصَّدَاقَ يَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ الْمُتَقَارِبَةَ ثُمَّ لَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ هَذِهِ الْآجَالِ فِيهِ؟ قُلْنَا: جَوَابُ هَذَا الْفَصْلِ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الْكُتُبِ وَبَيْنَ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِيهِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ تَثْبُتُ هَذِهِ الْآجَالُ فِي الصَّدَاقِ لِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ اشْتِرَاطَ هَذِهِ الْآجَالِ لَا يُؤَثِّرُ فِي أَصْلِ النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَيَبْقَى هَذَا أَجَلًا فِي الدَّيْنِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ فِي الْعَقْدِ وَالْمَهْرِ تُحْتَمَلُ جَهَالَةُ الصِّفَةِ فَجَهَالَةُ الْأَجَلِ أَوْلَى وَمَنْ يَقُولُ لَا يَثْبُتُ تَحَوُّلُ مَا هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي النِّكَاحِ وَهُوَ الْمَرْأَةُ لَا يَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ فَكَذَلِكَ الْأَجَلُ الْمَشْرُوطُ فِيهِ بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ

وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْكَفَالَةُ إلَى الْعَطَاءِ أَوْ إلَى الرِّزْقِ أَوْ إلَى صَوْمِ النَّصَارَى أَوْ فِطْرِهِمْ فَهَذَا كُلُّهُ جَائِزٌ بِأَجَلٍ وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ جَهَالَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ وَلَوْ قَالَ إلَى أَنْ يَقْدَمَ الْمَكْفُولُ بِهِ مِنْ سَفَرِهِ؛ لِأَنَّ قُدُومَ الْمَكْفُولِ بِهِ مِنْ سَفَرِهِ مُنْتَشِرٌ لِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ إلَى خَصْمِهِ وَالتَّأْجِيلُ إلَى أَنْ يَنْتَشِرَ التَّسْلِيمُ صَحِيحٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إلَى قُدُومِ فُلَانٍ غَيْرِ الْمَكْفُولِ بِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُنْتَشِرٍ لِتَسْلِيمِ مَا الْتَزَمَهُ؛ فَيَكُونَ تَعْلِيقًا لِلْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ الْمَحْضِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِدُخُولِ الدَّارِ أَوْ كَلَامِ زَيْدٍ وَهَذَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقُ مَا يَجُوزُ أَنْ يُحْلَفَ بِهِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَعْنِي بِقَوْلِنَا بَاطِلٌ أَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ فَأَمَّا الْكَفَالَةُ فَصَحِيحَةٌ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَالنِّكَاحِ وَنَحْوِهِ

وَعَلَى هَذَا لَوْ كَفَلَ بِهِ إلَى أَنْ تُمْطِرَ السَّمَاءُ أَوْ إلَى أَنْ يَمَسَّ السَّمَاءَ فَالْكَفَالَةُ جَائِزَةٌ وَالْأَجَلُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَيْسَ مِنْ الْآجَالِ الْمَعْرُوفَةِ بَيْنَ التُّجَّارِ وَلِأَنَّ الْأَجَلَ بِذِكْرِ الزَّمَانِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِهَذَا اللَّفْظِ لِجَوَازِ أَنْ يَتَّصِلَ هُبُوبُ الرِّيحِ وَإِمْطَارُ السَّمَاءِ بِالْكَفَالَةِ فَيَبْقَى شَرْطًا فَاسِدًا فَلَا تَبْطُلُ بِهِ الْكَفَالَةُ فَأَمَّا مَا ذَكَرَ مِنْ الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ فَذِكْرُ زَمَانٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا بِالْعِلْمِ إذْ زَمَانُ الدِّيَاسِ لَيْسَ زَمَانَ الْحَصَادِ فَيَصِحُّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّأْجِيلِ

وَلَوْ قَالَ أَنَا كَفِيلٌ بِنَفْسِ هَذَا إلَى قُدُومِ فُلَانٍ وَذَلِكَ مَعَهُ فِي الدَّيْنِ عَلَيْهِمَا جَازَتْ الْكَفَالَةُ إلَى هَذَا الْأَجَلِ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ قُدُومِهِ لِيَنْتَشِرَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ يُمَكِّنُ الطَّالِبَ مِنْ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ مِنْهُ فَكَانَ هَذَا وَمَا لَوْ شَرَطَ قُدُومَ الْمَكْفُولِ بِنَفْسِهِ سَوَاءً

وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ لِقَوْمٍ: اشْهَدُوا أَنِّي كَفِيلٌ لِفُلَانٍ بِنَفْسِ فُلَانٍ وَالطَّالِبُ غَائِبٌ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ إنْشَاءَ الْكَفَالَةِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَسَوَاءٌ أَجَازَهُ الطَّالِبُ أَوْ لَمْ يُجِزْهُ فَإِنْ قَالَ الطَّالِبُ حِينَ حَضَرَ: قَدْ كُنْت كَفَلْت لِي بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَأَنَا حَاضِرٌ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا اللَّفْظُ إقْرَارًا مِنْك بِالْكَفَالَةِ وَقَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>