اللَّفْظَ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إيقَاعُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِهِ فَكَذَلِكَ الْكَفَالَةُ
وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ أَنْ أُوفِيَك بِهِ أَوْ إلَيَّ أَنْ أُوفِيَك بِهِ؛ فَهُوَ كَفِيلٌ لِأَنَّ الْمُوَافَاة بِهِ إحْضَارُهُ لِلتَّسْلِيمِ وَذَلِكَ مُوجَبُ الْكَفَالَةِ وَقَدْ الْتَزَمَهُ بِقَوْلِهِ: عَلَيَّ أَوْ إلَيَّ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَنْ أَكْفُلَكَ بِهِ يَعْنِي: عَلَيَّ أَنْ أُحْضِرَهُ وَأُسَلِّمَهُ إلَيْك إذَا الْتَقَيْنَا وَذَلِكَ مُوجَبُ الْكَفَالَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ هُوَ عَلَيَّ حَتَّى تَجْتَمِعَا أَوْ تَلْتَقِيَا لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ إلَى غَايَةٍ وَهُوَ اجْتِمَاعُهُمَا وَذَلِكَ مُوجَبُ الْكَفَالَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِمُوجَبِ الْعَقْدِ يَنْعَقِدُ بِهِ الْعَقْدُ
وَإِنْ قَالَ أَنَا ضَامِنٌ لِمَعْرِفَتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الْكَفَالَةِ الْتِزَامُ التَّسْلِيمِ وَهُوَ إنَّمَا ضَمِنَ الْمَعْرِفَةَ فَهَذَا بِمَعْنَى قَوْلِهِ: أَنَا ضَامِنٌ لَأَنْ أُدْخِلَكَ عَلَيْهِ أَوْ أُوقِفَكَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَنَا ضَامِنٌ بِوَجْهِهِ لِأَنَّ الْوَجْهَ إنَّمَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ النَّفْسِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنَا ضَامِنٌ بِنَفْسِهِ
وَلَوْ قَالَ أَنَا ضَامِنٌ لَك أَنْ تَجْتَمِعَا أَوْ تَلْتَقِيَا فَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ اجْتِمَاعَهُمَا أَوْ مُلَاقَاتَهُمَا فِعْلُهُمَا وَلَا يَكُونُ الْإِنْسَانُ ضَامِنًا لِفِعْلِ الْغَيْرِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: هُوَ عَلَيَّ حَتَّى تَجْتَمِعَا أَوْ تَلْتَقِيَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ هُوَ عَلَيَّ إشَارَةٌ إلَى نَفْسِهِ فَإِنَّهُ الْتَزَمَ تَسْلِيمَ نَفْسِهِ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ وَذَلِكَ الْتِزَامٌ مِنْهُ لِفِعْلِهِ دُونَ فِعْلِ الْغَيْرِ.
وَإِذَا كَفَلَ وَصِيُّ الْمَيِّتِ غَرِيمًا لِلْمَيِّتِ بِنَفْسِهِ مِنْ رَجُلٍ فَدَفَعَهُ الْكَفِيلُ إلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ أَوْ غَرِيمٍ مِنْ غُرَمَائِهِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ تَسْلِيمَ النَّفْسِ إلَى الْوَصِيِّ وَبِالتَّسْلِيمِ إلَى غَيْرِهِ لَا يَكُونُ مُوفِيًا مَا الْتَزَمَهُ وَالْمَقْصُودُ لَا يَحْصُلُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْغُرَمَاءِ وَهُمْ لَا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ إثْبَاتِ الدَّيْنِ لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْوَرَثَةُ لِأَنَّ أَيْدِيَهُمْ لَا تَنْبَسِطُ فِي التَّرِكَةِ عِنْدَ قِيَامِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ وَإِنَّمَا الْوَصِيُّ هُوَ الَّذِي يَتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ وَاسْتِيفَائِهِ فَلِهَذَا لَا يَبْرَأُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى غَيْرِهِ
وَالْكَفَالَةُ جَائِزَةٌ بِالنَّفْسِ فِيمَا بَيْنَ الْأَوْلَادِ وَالْأَزْوَاجِ وَالزَّوْجَاتِ وَفِيمَا بَيْنَ الْأَقَارِبِ كَجَوَازِهَا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْعُقُودِ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ وَالْمُعَارَضَاتِ. وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ أَوْ الْمَالِ إلَى الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ أَوْ إلَى الْجَذَاذِ أَوْ إلَى الْمِهْرَجَانِ أَوْ إلَى النَّيْرُوزِ جَائِزَةٌ إلَى الْأَجَلِ الَّذِي سُمِّيَ لِأَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَجَلِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَوْعُ جَهَالَةٍ فَهِيَ جَهَالَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ مُتَقَارِبَةٌ فَإِنَّ الدِّيَاسَ وَالْحَصَادَ يَتَقَدَّمَانِ الْحَرَّ وَتَأَخُّرُهُمَا بِامْتِدَادِ الْبَرْدِ فَتَكُونُ مُتَقَارِبَةً. وَمِثْلُ هَذِهِ الْجَهَالَةِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّوَسُّعِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمَكْفُولِ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ مَعَ أَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ بِهَا الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فَفِيمَا لَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَيْهِ - وَهُوَ الْأَجَلُ - أَوْلَى وَبِهِ فَارَقَ الْبَيْعَ فَإِنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ هُنَاكَ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ فَكَذَلِكَ فِي الْأَجَلِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إذْنُ شَرْطٍ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ وَلِهَذَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - أَنَّهُ إذَا أَجَّلَهُ فِي الثَّمَنِ بَعْدَ الْبَيْعِ إلَى الْحَصَادِ أَوْ إلَى الدِّيَاسِ يَجُوزُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute