إخْبَارٌ عَنْ وَاجِبٍ سَابِقٍ وَالْإِخْبَارُ يَتِمُّ بِالْمُخْبِرِ ثُمَّ قَدْ يَتَعَدَّى ضَرَرُ هَذَا الِالْتِزَامِ إلَى الطَّالِبِ فَإِنَّ عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - الْكَفَالَةُ إذَا صَحَّتْ بَرِئَ الْأَصِيلُ فَبَقِيَ الْأَمْرُ إلَى الطَّالِبِ وَلَعَلَّ قَاضِيًا يَرَى ذَلِكَ فَيَحْكُمُ بِبَرَاءَةِ الْأَصِيلِ عَنْ حَقِّ الطَّالِبِ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ فَلِهَذَا لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ إلَّا بِقَبُولِهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ خَاطَبَ فُضُولِيٌّ عَنْ الطَّالِبِ عَلَى قَوْلِهِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الطَّالِبِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ جَائِزٌ قَبِلَهُ الْفُضُولِيُّ أَوْ لَمْ يَقْبَلْهُ إلَّا فِي خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ
وَهِيَ مَا إذَا قَالَ الْمَرِيضُ لِوَرَثَتِهِ أَوْ لِبَعْضِهِمْ اضْمَنُوا عَلَيَّ دَيْنِي فَضَمِنُوا فَهَذَا لَا يَجُوزُ فِي الْقِيَاسِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - لِأَنَّ الطَّالِبَ غَيْرُ حَاضِرٍ فَلَا يَتِمُّ الضَّمَانُ إلَّا بِقَبُولِهِ وَلِأَنَّ الصَّحِيحَ لَوْ قَالَ هَذَا لِوَرَثَتِهِ أَوْ لِغَيْرِهِمْ لَمْ يَصِحَّ إذَا ضَمِنُوهُ فَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَصِحُّ لِأَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ يَتَعَلَّقُ بِتَرِكَتِهِ بِمَرَضِهِ عَلَى أَنْ يَتِمَّ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ وَتَتَوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِقَضَاءِ دُيُونِهِمْ مِنْ التَّرِكَةِ فَقَامَ الْمَطْلُوبُ فِي هَذَا الْخِطَابِ لِوَرَثَتِهِ مَقَامَ الطَّالِبِ أَوْ نَائِبِهِ لِأَنَّهُ يُقْصَدُ بِهِ النَّظَرُ لِنَفْسِهِ حَتَّى يُفَرِّغَ ذِمَّتَهُ - بِقَضَاءِ الدَّيْنِ - مِنْ تَرِكَتِهِ فَلِهَذَا جَوَّزْنَاهُ اسْتِحْسَانًا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ صَحِيحًا فَإِنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِي مَالِهِ، وَلَا مُطَالَبَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ دَيْنِهِ قِبَلَ وَرَثَتِهِ فَلَا يَقُومُ هُوَ مَقَامَ الطَّالِبِ فِي الْخِطَابِ لَهُمْ بِهَذَا الضَّمَانِ وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِيمَا إذَا قَالَ الْمَرِيضُ ذَلِكَ لِأَجْنَبِيٍّ فَضَمِنَ الْأَجْنَبِيُّ دَيْنَهُ بِالْتِمَاسِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ غَيْرُ مُطَالَبٍ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ بِدُونِ الِالْتِزَامِ، فَكَانَ الْمَرِيضُ فِي حَقِّهِ وَالصَّحِيحُ سَوَاءً وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يَصِحُّ هَذَا الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ قَصَدَ بِهِ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ.
وَالْأَجْنَبِيُّ إذَا قَضَى دَيْنَهُ بِأَمْرِهِ يَرْجِعُ بِهِ فِي تَرِكَتِهِ فَيَصِحُّ هَذَا مِنْ الْمَرِيضِ عَلَى أَنْ يَجْعَلَهُ قَائِمًا مَقَامَ الطَّالِبِ لِضِيقِ الْحَالِ عَلَيْهِ بِمَرَضِ الْمَوْتِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الصَّحِيحِ فَأَخَذْنَا فِيهِ بِالْقِيَاسِ ثُمَّ هَذَا مِنْ الْمَرِيضِ صَحِيحٌ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الدَّيْنَ وَلَا صَاحِبَ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ مِنْهُ لِوَرَثَتِهِ بِأَنْ يَقْضُوا دَيْنَهُ. وَوُجُوبُ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ عَلَى الْوَرَثَةِ لِحَقِّ الْمُوصِي، وَالْجَهَالَةُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ
وَإِذَا كَفَلَ رَجُلٌ بِرَأْسِ رَجُلٍ أَوْ بِرَقَبَتِهِ أَوْ بِوَجْهِهِ أَوْ بِجَسَدِهِ أَوْ بِبَدَنِهِ جَازَ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَلِهَذَا صَحَّ إيقَاعُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقُ بِهِ فَهَذَا وَكَفَالَتُهُ بِنَفْسِهِ سَوَاءٌ وَكَذَلِكَ لَوْ كَفَلَ بِرُوحِهِ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ خَاصَّةً فَإِنَّهُ يُعَبَّرُ بِالرُّوحِ عَنْ النَّفْسِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَفَلَ بِنِصْفِهِ أَوْ بِجُزْئِهِ لِأَنَّ النَّفْسَ وَاحِدَةٌ فِي الْكَفَالَةِ لَا تَتَجَزَّأُ فَإِنَّ الْمُسْتَحَقَّ إحْضَارُهَا.
وَإِحْضَارُ بَعْضِ النَّفْسِ لَا يَتَحَقَّقُ، وَذِكْرُ جُزْءِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ
وَلَوْ كَفَلَ بِيَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ فَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute