ذَكَرْنَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ إذَا أَضَافَ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ إلَى نَفْسِهِ يَأْتِي هُنَا أَيْضًا وَهُوَ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَيُجْعَلَ كَأَنَّ أَحَدَهُمَا كَفِيلٌ بِنَفْسِ الْمَطْلُوبِ، وَالْآخَرَ بِالْمَالِ بِشَرْطِ أَنَّ الْكَفِيلَ بِنَفْسِهِ إنْ وَفَّى بِالنَّفْسِ بَرِئَ الْكَفِيلَانِ جَمِيعًا فَأَيُّهُمَا صَرَّحَ بِهَذَا كَانَ جَائِزًا مُسْتَقِيمًا؛ لِأَنَّ عِنْدَ الْمُوَافَاةَ بِالنَّفْسِ الطَّالِبُ يَسْتَغْنِي عَنْ الْكَفَالَتَيْنِ؛ فَلِذَا تَعَيَّنَتْ الْبَرَاءَةُ عَنْ الْكَفَالَتَيْنِ بِسَبَبٍ بِعَيْنِهِ عَنْهُمَا. وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْكَفِيلُ رَجُلًا أَوْ رَجُلَيْنِ
وَإِذَا كَفَلَ رَجُلٌ بِنَفْسِ رَجُلٍ فَإِنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا؛ فَعَلَيْهِ الْمَالُ الَّذِي عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَلْفُ فَلَمْ يُوَافِ بِهِ الْكَفِيلُ وَلَكِنَّ الرَّجُلَ لَقِيَ الطَّالِبَ وَخَاصَمَهُ وَلَازَمَهُ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى اللَّيْلِ؛ فَالْمَالُ لَازِمٌ لِلْكَفِيلِ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَهُوَ عَدَمُ مُوَافَاةِ الْكَفِيلِ بِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُمَا، وَإِنْ تَلَاقَيَا لَا يَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِهِ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَافَاهُ بِهِ فَكَذَلِكَ فِي وُجُوبِ الْمَالِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْمَطْلُوبِ نَفْسَهُ إلَى الطَّالِبِ أَنْوَاعٌ قَدْ يَكُونُ عَمَّا هُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ؛ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْكَفَالَةِ فَلَا تَتَعَيَّنُ جِهَةُ الْكَفَالَةِ فِي تَسْلِيمِهِ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي تَسْلِيمِهِ أَنَّهُ عَمَّا هُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّ الْكَفَالَةَ بِنَاءٌ عَلَى ذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَطْلُوبُ قَالَ: قَدْ دَفَعْتُ نَفْسِي إلَيْكَ عَنْ كَفَالَةِ فُلَانٍ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ ذَلِكَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ بِذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْكَفِيلِ فَيَصِحُّ تَعْيِينُهُ لِتِلْكَ الْجِهَةِ؛ لِيُسْقِطَ بِهِ مُطَالَبَةَ الْكَفِيلِ عَنْ نَفْسِهِ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ كَانَ هَذَا وَمُوَافَاةُ الْكَفِيلِ بِهِ سَوَاءً فَيَبْرَأُ مِنْ الْمَالِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ بَعَثَ بِهِ مَعَ رَسُولِهِ إلَى الطَّالِبِ كَانَ ذَلِكَ مُوَافَاةً مِنْهُ حَتَّى يُبْرِئَهُ مِنْ الْمَالِ
وَلَوْ كَفَلَ رَجُلٌ بِنَفْسِ الْكَفِيلِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَالْمَالُ الَّذِي كَفَلَ عَنْ فُلَانٍ وَهُوَ أَلْفٌ عَلَيْهِ فَوَافَى الْكَفِيلُ الْأَوَّلُ بِالْمَطْلُوبِ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ فِي الْغَدِ فَالْكَفِيلَانِ بَرِيئَانِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ أَمَّا الْكَفِيلُ الْأَوَّلُ فَلِوُجُودِ الْمُوَافَاةِ مِنْهُ وَأَمَّا الْكَفِيلُ الثَّانِي؛ فَلِأَنَّ الْكَفِيلَ الْأَوَّلَ فِي حَقِّهِ أَصِيلٌ. وَبَرَاءَةُ الْأَصِيلِ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ، وَإِنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ الْأَوَّلُ وَلَا الثَّانِي وَوَافَى الْكَفِيلُ الْأَوَّلُ فِي الْغَدِ؛ فَإِنَّ الْكَفِيلَ الثَّانِيَ يَبْرَأُ لِوُجُودِ شَرْطِ الْبَرَاءَةِ فِي حَقِّهِ وَهُوَ الْمُوَافَاةُ بِنَفْسِ الْكَفِيلِ الْأَوَّلِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي اشْتَرَطَهُ وَالْتَزَمَ الْمَالَ الْكَفِيلُ الْأَوَّلُ؛ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَهُوَ عَدَمُ الْمُوَافَاةِ بِنَفْسِ الْمَطْلُوبِ
وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ فَإِنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ إلَى شَهْرٍ فَالْمَالُ الَّذِي عَلَيْهِ - وَهُوَ مِائَةٌ - عَلَيْهِ ثُمَّ لَقِيَ الطَّالِبُ بِهِ الْمَكْفُولَ قَبْلَ الْأَجَلِ فَأَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا آخَرَ بِنَفْسِهِ وَبِالْمَالِ بِهَذَا الشَّرْطِ أَيْضًا فَوَافَى بِهِ أَحَدُهُمَا فِي الْأَجَلِ فَإِنَّ الَّذِي وَافَى بِهِ بَرِيءٌ مِنْ الْمَالِ وَالنَّفْسِ وَلَا يَبْرَأُ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْتَزَمَ تَسْلِيمَ النَّفْسِ بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ فَمُوَافَاتُهُ بِهِ تَكُونُ تَسْلِيمًا عَنْ نَفْسِهِ لَا عَنْ غَيْرِهِ فَيَجِبُ الْمَالُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute