سُقُوطُ الْأَجَلِ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَصْلُ الْمَالِ حَالًّا ثُمَّ أَجَّلَ الْكَفِيلُ فِيمَا عَلَيْهِ صَحَّ وَبَقِيَ الْمَالُ عَلَى الْأَصِيلِ حَالًّا. وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ لَا يَعْدُو مَوْضِعَ الضَّرُورَةِ.
وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ حَالَّةٍ فَكَفَلَ بِهَا رَجُلٌ إلَى سَنَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ وَهَذَا تَأْخِيرٌ عَنْ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ قَالَ: (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ ذِكْرُ حَقٍّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَفُلَانٌ كَفِيلٌ بِهَا إلَى سَنَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا إلَى سَنَةٍ وَعَنْ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْمَالَ عَلَى الْأَصِيلِ حَالٌّ؛ لِأَنَّهُ أَجَّلَ الْكَفِيلَ خَاصَّةً. وَالتَّأْجِيلُ إسْقَاطٌ لِلْمُطَالَبَةِ إلَى غَايَةٍ فَإِذَا كَانَ إبْرَاءُ الْكَفِيلِ لَا يُوجِبُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ فَالتَّأْجِيلُ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ لَا يَمْنَعُ كَوْنَ الْمَالِ حَالًّا عَلَى الْأَصِيلِ. وَلَكِنَّا نَقُولُ: إنَّمَا أَجَّلَ الطَّالِبُ هُنَا أَصْلَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْهَاءَ - فِي قَوْلِهِ: فَكَفَلَ بِهَا إلَى سَنَةٍ - كِنَايَةٌ عَنْ أَصْلِ الْمَالِ. وَإِضَافَةُ التَّأْجِيلِ إلَى أَصْلِ الْمَالِ يُثْبِتُ الْأَجَلَ فِي حَقِّ الْأَصِيلِ وَالْكَفِيلِ جَمِيعًا، حَتَّى لَوْ أَجَّلَ الْكَفِيلُ بِمَا الْتَزَمَ بِالْكَفَالَةِ؛ يَبْقَى الْمَالُ حَالًّا عَلَى الْأَصِيلِ.
وَهَكَذَا يَقُولُ فِي الْإِبْرَاءِ: إذَا أَضَافَهُ إلَى أَصْلِ الْمَالِ؛ يَكُونُ إبْرَاءً لَهُمَا وَإِذَا أَضَافَهُ إلَى الْكَفِيلِ خَاصَّةً؛ يَكُونُ مُوجِبًا بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ.
وَإِذَا كَفَلَ لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لِفُلَانٍ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهَا إيَّاهُ مِنْ وَدِيعَةٍ لِفُلَانٍ عِنْدَهُ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ قَبِلَ الِالْتِزَامَ بِمَحَلٍّ مَخْصُوصٍ وَهُوَ أَنْ يُؤَدِّيَهُ بِمَا فِي يَدِهِ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ فِي الْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ جَمِيعًا. فَإِنْ هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْكَفِيلِ لِانْعِدَامِ الْجِنَايَةِ وَلَا فَرْقَ فِي حَقِّهِ بَيْنَ الْتِزَامِ أَدَاءِ الْوَدِيعَةِ إلَى صَاحِبِهَا أَوْ غَرِيمِ صَاحِبِهَا بِأَمْرِ صَاحِبِهَا. فَإِذَا لَمْ يَضْمَنْ الْوَدِيعَةَ فَقَدْ فَاتَ الْمَحَلُّ الَّذِي الْتَزَمَ فِيهِ التَّسْلِيمَ لِلطَّالِبِ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ فَوَاتَ الْمَحَلِّ مُبْطِلٌ لِلْكَفَالَةِ.
وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عِنْدَ رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةٌ وَعَلَى رَبِّ الْوَدِيعَةِ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ وَطَلَبَ مِنْ الَّذِي عِنْدَهُ الْوَدِيعَةُ الْتِزَامَ أَدَاءِ ذِمَّتِهِ بِمَحَلٍّ مَخْصُوصٍ وَهُوَ تَقْيِيدٌ مُفِيدٌ فِي حَقِّهِ حَتَّى لَا يَكُونَ ضَامِنًا فِي ذِمَّتِهِ شَيْئًا بَعْدَ هَلَاكِ ذَلِكَ الْمَالِ ثُمَّ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْوَدِيعَةِ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ الْكَفِيلِ لَا عَنْ حَقِّ الْغَرِيمِ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهَا؛ وَلِأَنَّهُ الْتَزَمَ أَدَاءَ دَيْنِهِ مِنْهَا بِأَمْرِهِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ كَوْنِهَا فِي يَدِهِ. فَإِذَا هَلَكَتْ بَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْهَا لِمَا بَيَّنَّا وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي أَنَّهَا هَلَكَتْ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ أَمِينًا فِي الْعَيْنِ بَعْدَ هَذِهِ الْكَفَالَةِ كَمَا كَانَ قَبْلَهَا فَيَكُونُ مَقْبُولَ الْقَوْلِ فِي هَلَاكِهَا، وَإِنْ اغْتَصَبَهَا إيَّاهُ رَبُّ الْوَدِيعَةِ أَوْ اغْتَصَبَهَا إيَّاهُ إنْسَانٌ آخَرُ فَاسْتَهْلَكَهَا؛ بَرِئَ الْكَفِيلُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ عَلَيْهِ كَانَ مَقْصُورًا عَلَى الْعَيْنِ مَا بَقِيَتْ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ مَا الْتَزَمَ فِي ذِمَّتِهِ شَيْئًا، فَإِذَا لَمْ تَبْقَ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ لَا يَكُونُ ضَامِنًا شَيْئًا
وَكَذَلِكَ لَوْ ضَمِنَ لَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهَا إيَّاهُ مِنْ ثَمَنِ هَذِهِ الدَّارِ فَلَمْ يَبِعْهَا؛ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَمَانٌ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْأَدَاءَ مِنْ مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute