وَهُوَ ثَمَنُ الدَّارِ وَلَا يَحْصُلُ ثَمَنُ الدَّارِ فِي يَدِهِ مَا لَمْ يَبِعْ الدَّارَ وَهُوَ لَمْ يَلْتَزِمْ بَيْعَهَا عَلَى ذَلِكَ؛ فَلِهَذَا لَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ مَا لَمْ يَبِعْ الدَّارَ وَيَقْبِضْ الثَّمَنَ.
وَلَوْ كَفَلَ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ بِمَالٍ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ لَهُ جُعْلًا؛ فَالْجُعْلُ بَاطِلٌ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ رِشْوَةٌ وَالرِّشْوَةُ حَرَامٌ فَإِنَّ الطَّالِبَ لَيْسَ يَسْتَوْجِبُ بِهَذِهِ الْكَفَالَةِ زِيَادَةَ مَالٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ عِوَضٌ بِمُقَابَلَتِهِ، وَلَكِنَّ الضَّمَانَ جَائِزٌ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ الْجَعْلُ فِيهِ.
وَإِنْ كَانَ الْجُعْلُ مَشْرُوطًا فِيهِ؛ فَالضَّمَانُ بَاطِلٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ مُلْتَزِمٌ، وَالِالْتِزَامُ لَا يَكُونُ إلَّا بِرِضَاهُ. (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُكْرَهًا عَلَى الْكَفَالَةِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ. فَإِذَا شَرَطَ الْجُعْلَ فِي الْكَفَالَةِ فَهُوَ مَا رَضِيَ بِالِالْتِزَامِ إذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ الْجُعْلَ، وَإِذَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي الْكَفَالَةِ؛ فَهُوَ رَاضٍ بِالِالْتِزَامِ مُطْلَقًا فَيَلْزَمْهُ.
وَكَفَالَةُ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَفْسٍ كَانَتْ أَوْ بِمَالٍ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ.
وَكَفَالَةُ الْمُرْتَدَّةِ جَائِزَةٌ وَإِنْ مَاتَتْ عَلَى الرِّدَّةِ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهَا فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ بِخِلَافِ الرَّجُلِ وَهَذَا فَرْقٌ ظَاهِرٌ فِي السِّيَرِ. فَإِنْ لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَسُبِيَتْ؛ بَطَلَتْ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ دُونَ الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا لَحِقَتْ وَسُبِيَتْ؛ فَكَأَنَّهَا مَاتَتْ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ مَالَهَا لِوَرَثَتِهَا. وَمَوْتُ الْكَفِيلِ يُبْطِلُ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ دُونَ الْمَالِ وَفِي الْكِتَابِ قَالَ: هِيَ بِمَنْزِلَةِ أَمَةٍ كَفَلَتْ بِنَفْسٍ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ لَمَّا كَانَتْ لَا تَتَحَوَّلُ إلَى الْمَالِ وَقَدْ صَارَتْ هَذِهِ أَمَةً بِالِاسْتِرْقَاقِ؛ فَكَأَنَّهَا كَفَلَتْ ابْتِدَاءً. وَهِيَ أَمَةٌ فَلَا تُطَالَبُ بِذَلِكَ لِحَقِّ مَوْلَاهَا وَأَمَّا الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ فَقَدْ تَحَوَّلَتْ إلَى مَا خَلَّفَتْ مِنْ الْمَالِ، فَكَانَ وَارِثُهَا مُطَالَبًا بِقَضَاءِ ذَلِكَ وَلَكِنَّ التَّعْلِيلَ الْأَوَّلَ أَصَحُّ لِمَا ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا قَالَ: وَإِنْ أُعْتِقَتْ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ؛ لَمْ تُؤْخَذْ بِالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَلَا بِالْمَالِ وَقَدْ أَبْطَلَ السَّبْيُ كُلَّ كَفَالَةٍ وَكُلَّ حَقٍّ قِبَلَهَا، وَلَوْ كَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْكَفَالَةِ مِنْهَا وَهِيَ أَمَةٌ؛ كَانَتْ تُؤْخَذُ بِذَلِكَ بَعْدَ الْعِتْقِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَمَّا تَبَدَّلَتْ نَفْسُهَا بِالرِّقِّ؛ كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهَا عَلَى مَا قِيلَ: الْحُرِّيَّةُ حَيَاةٌ وَالرَّقَبَةُ تَلَفٌ. فَبَطَلَتْ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ أَصْلًا وَتَحَوَّلَ الْمَالُ إلَى مَالٍ فَلَا يَعُودُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَيْهَا بَعْدَ الْعِتْقِ.
وَلَوْ كَفَلَ مُسْلِمٌ بِنَفْسِ مُرْتَدٍّ فِي دَيْنٍ عَلَيْهِ فَلَحِقَ بِدَارُ الْحَرْبِ أَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ الْكَفَالَةِ وَلَحِقَ كَانَ الْكَفِيلُ عَلَى كَفَالَتِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا الْفَصْلَ بِفُرُوعِهِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ فَنَسِيَتْ بَطَلَتْ الْكَفَالَةُ عَنْهَا بِالنَّفْسِ دُونَ الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا حِينَ سُبِيَتْ فَقَدْ سَقَطَتْ عَنْهَا الْمُطَالَبَةُ بِالْحُضُورِ فَيَسْقُطُ عَنْ الْكَفِيلِ مَا الْتَزَمَ مِنْ الْإِحْضَارِ. تَوْضِيحُهُ أَنَّهَا لَمَّا تَبَدَّلَتْ نَفْسُهَا بِالِاسْتِرْقَاقِ فَكَأَنَّهَا مَاتَتْ وَمَوْتُ الْمَكْفُولِ عَنْهُ بِنَفْسِهِ يُبْطِلُ الْكَفَالَةَ وَلَكِنَّ الْكَفِيلَ مَأْخُوذٌ بِقَضَاءِ ذَلِكَ الدَّيْنِ فَإِذَا أَدَّاهُ رَجَعَ بِهِ فِيمَا تَرَكَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ كَانَ لَهُ عَلَيْهَا بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ دُيُونِهَا فَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute