للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ الْمَالِ «وَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إبِلِ الصَّدَقَةِ نَاقَةً كَوْمَاءَ فَغَضِبَ عَلَى الْمُصَدِّقِ، وَقَالَ: أَلَمِ أَنْهَكُمْ عَنْ أَخْذِ كَرَائِمِ أَمْوَالِ النَّاسِ، فَقَالَ السَّاعِي أَخَذْتُهَا بِبَعِيرَيْنِ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ». وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ «ارْتَجَعْتُهَا بِبَعِيرَيْنِ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخْذُ الْبَعِيرِ بِبَعِيرَيْنِ» إنَّمَا يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَقَالَ مُعَاذٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي خُطْبَتِهِ بِالْيَمَنِ ائْتُونِي بِخَمِيسٍ آخُذُ مِنْكُمْ مَكَانَ الصَّدَقَةِ أَوْ قَالَ مَكَانَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ مَلَّكَ الْفَقِيرَ مَالًا مُتَقَوِّمًا بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ فَيَجُوزُ كَمَا لَوْ أَدَّى بَعِيرًا عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إغْنَاءُ الْفَقِيرِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اغْنُوهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ» فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ، وَالْإِغْنَاءُ يَحْصُلُ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ كَمَا يَحْصُلُ بِأَدَاءِ الشَّاةِ وَرُبَّمَا يَكُونُ سَدُّ الْخَلَّةِ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ أَظْهَرَ وَلَا نَقُولُ بِأَنَّ الْوَاجِبَ حَقُّ الْفَقِيرِ. وَلَكِنَّ الْوَاجِبَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى خَالِصًا وَلَكِنَّهُ مَصْرُوفٌ إلَى الْفَقِيرِ لِيَكُونَ كِفَايَةً لَهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَمَّا وُعِدَ لَهُ مِنْ الرِّزْقِ فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْفَقِيرِ أَنَّهُ مَحِلٌّ صَالِحٌ لِكِفَايَتِهِ لَهُ فَكَانَ هَذَا نَظِيرَ الْجِزْيَةِ، فَإِنَّهَا وَجَبَتْ لِكِفَايَةِ الْمُقَاتَلَةِ فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِمْ أَنَّهُ مَحِلٌّ صَالِحٌ لِكِفَايَتِهِمْ حَتَّى تَتَأَدَّى بِالْقِيمَةِ بِخِلَافِ الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا، فَإِنَّ الْمُسْتَحَقَّ فِيهَا إرَاقَةُ الدَّمِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ بَعْدَ الذَّبْحِ قَبْلَ التَّصَدُّقِ بِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَإِرَاقَةُ الدَّمِ لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ وَلَا مَعْقُولِ الْمَعْنَى، وَالسُّجُودُ عَلَى الْخَدِّ وَالذَّقَنِ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ أَصْلًا حَتَّى لَا يَتَنَفَّلَ بِهِ وَلَا يُصَارَ إلَيْهِ عِنْدَ الْعَجْزِ وَمَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ لَا يُقَامُ مَقَامَ الْقُرْبَةِ، فَأَمَّا التَّصَدُّقُ بِالْقِيمَةِ فَقُرْبَةٌ وَفِيهِ سَدُّ خَلَّةِ الْفَقِيرِ فَيَحْصُلُ بِهِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ.

الْفَصْلُ الرَّابِعُ إنَّ ظَاهِرَ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إلَى الْمُصَدِّقِ يُعَيِّنُ أَيَّهَا شَاءَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْخِيَارُ إلَى صَاحِبِ الْمَالِ إنْ شَاءَ أَدَّى الْقِيمَةَ، وَإِنْ شَاءَ أَدَّى سِنًّا دُونَ الْوَاجِبِ وَفَضْلِ الْقِيمَةِ، وَإِنْ شَاءَ أَدَّى سِنًّا فَوْقَ الْوَاجِبِ وَاسْتَرَدَّ فَضْلَ الْقِيمَةِ حَتَّى إذَا عَيَّنَ شَيْئًا فَلَيْسَ لِلسَّاعِي أَنْ يَأْبَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ اعْتَبَرَ التَّيْسِيرَ عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْخِيَارُ لِصَاحِبِ الْمَالِ

(قَالَ) وَلَيْسَ فِي الْحِمْلَانِ وَالْفِصْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ زَكَاةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجِبُ فِيهَا وَاحِدَةٌ مِنْهَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَجِبُ فِيهَا مَا يَجِبُ فِي الْمَسَانِّ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ فِي اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقُلْتُ مَا تَقُولُ فِيمَنْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ حَمَلًا، فَقَالَ: فِيهَا شَاةٌ مُسِنَّةٌ فَقُلْتُ رُبَّمَا تَأْتِي قِيمَةُ الشَّاةِ عَلَى أَكْثَرِهَا أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>