للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَى جَمِيعِهَا فَتَأَمَّلَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ لَا وَلَكِنْ تُؤْخَذُ وَاحِدَةٌ مِنْهَا، فَقُلْتُ: أَوَ يُؤْخَذُ الْحَمَلُ فِي الزَّكَاةِ؟ فَتَأَمَّلَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: إذًا لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ فَأَخَذَ بِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَبِقَوْلِهِ الثَّانِي أَبُو يُوسُفَ وَبِقَوْلِهِ الثَّالِثِ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعُدَّ هَذَا مِنْ مَنَاقِبِهِ حَيْثُ تَكَلَّمَ فِي مَسْأَلَةٍ فِي مَجْلِسٍ بِثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فَلَمْ يَضِعْ شَيْءٌ مِنْهَا. فَأَمَّا زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ السَّائِمَةِ شَاةٌ»، وَهَذَا اسْمُ جِنْسٍ يَتَنَاوَلُ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ كَاسْمِ الْآدَمِيِّ، وَلِأَنَّ بِالْإِجْمَاعِ لَوْ كَانَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهَا بِنْتَ مَخَاضٍ تَجِبُ شَاةٌ فِيهَا وَلَا تَجِبُ الشَّاةُ فِي تِلْكَ الْوَاحِدَةِ بَلْ فِي الْكُلِّ، فَإِذَا جَازَ إيجَابُ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ شَاةٍ بِاعْتِبَارِ أَرْبَعَةٍ مِنْ الْفِصْلَانِ جَازَ إيجَابُ الشَّاةِ بِاعْتِبَارِ خَمْسٍ مِنْ الْفِصْلَانِ، وَهَذَا لِأَنَّ زِيَادَةَ السِّنِّ عَفْوٌ لِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ لَا يَزْدَادُ بِهَا الْوَاجِبُ، فَكَذَلِكَ نُقْصَانُ السِّنِّ عَفْوٌ فِي حَقِّ الْفُقَرَاءِ لَا يُنْتَقَصُ بِهِ الْوَاجِبُ

(وَحُجَّتُنَا) قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إيَّاكُمْ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ، وَقَالَ: لَا تَأْخُذُوا مِنْ حَزَرَاتِ أَمْوَالِ النَّاسِ شَيْئًا» وَإِيجَابُ الْمُسِنَّةِ فِي الصِّغَارِ يُؤَدِّي إلَى هَذَا، ثُمَّ رُبَّمَا تَكُونُ قِيمَةُ الْمُسِنَّةِ آتِيَةً عَلَى أَكْثَرِ النِّصَابِ وَالْوَاجِبُ قَلِيلٌ مِنْ الْكَثِيرِ فَأَخْذُ الْمُسِنَّةِ مِنْ الصِّغَارِ فِيهِ إجْحَافٌ بِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْوَاحِدَةُ مُسِنَّةً، فَإِنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ وَالصِّغَارُ تَبَعٌ لَهُ وَقَدْ ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي الْمَحِلِّ تَبَعًا، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهُ مَقْصُودًا كَالشُّرْبِ وَالطَّرِيقِ فِي الْبَيْعِ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا مِمَّا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهِ فَدَلَّ أَنَّ لِلْعَنَاقِ مَدْخَلًا فِي الزَّكَاةِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ الصِّغَارِ، ثُمَّ اُعْتُبِرَ نُقْصَانُ الْعَيْنِ بِنُقْصَانِ الْوَصْفِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُنْقِصُ الْمَالِيَّةَ وَلَا يَعْدِمُهَا، وَنُقْصَانُ الْوَصْفِ لَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ أَصْلًا حَتَّى إنَّ فِي الْعِجَافِ وَالْمَهَازِيلِ تَجِبُ الزَّكَاةُ مِنْ جِنْسِهَا، فَكَذَلِكَ نُقْصَانُ السِّنِّ وَلَنَا حَدِيثُ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ «إيَّانَا مُصَدِّقُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَبِعْتُهُ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي عَهْدِي أَنْ لَا آخُذَ مِنْ رَاضِعِ اللَّبَنَ شَيْئًا، وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلسَّاعِي: عُدَّ عَلَيْهِمْ السَّخْلَةَ، وَلَوْ جَاءَ بِهَا الرَّاعِي يَحْمِلُهَا عَلَى كَتِفِهِ وَلَا تَأْخُذْهَا مِنْهُمْ فَقَدْ نُهِيَ عَنْ أَخْذِ الصِّغَارِ» عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ. وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ هَذَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِأَسْنَانٍ مَعْلُومَةٍ فَلَا مَدْخَلَ لِلصِّغَارِ فِيهَا مَقْصُودًا كَالْهَدَايَا وَالضَّحَايَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْأَسْنَانَ الَّتِي اعْتَبَرَهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ لَا تُؤْخَذُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>