لَوْ أَنْكَرَ التَّمْلِيكَ أَصْلًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِالتَّمْلِيكِ مِنْ جِهَةٍ دُونَ جِهَةٍ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَدْيُونَ إنَّمَا يَقْضِي الدَّيْنَ بِمِلْكِ نَفْسِهِ. وَالْإِنْسَانُ مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ مَقْبُولُ الْبَيَانِ فِيهِ، فِي الِانْتِهَاءِ كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ إذَا كَانَ مُفِيدًا لَهُ وَهَذَا بَيَانٌ مُفِيدٌ فَرُبَّمَا يَكُونُ بِبَعْضِ الْمَالِ رَهْنٌ فَتَعَيَّنَ الْمَدْفُوعُ مِمَّا بِهِ الرَّهْنُ لِيَسْتَرِدَّ الرَّهْنَ وَرُبَّمَا يَكُونُ بِبَعْضِ الْمَالِ كَفِيلٌ فَتَعَجَّلَ الْمَكْفُولُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ لِيُبْرِئَ كَفِيلَهُ، وَإِنْ مَاتَ الدَّافِعُ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ؛ كَانَتْ الْمِائَةُ مِنْ كُلِّ صَكٍّ ثَلَاثَةً لِأَنَّهُ لَيْسَ جَعْلُ الْمَدْفُوعِ مِنْ بَعْضِهَا بِأَوْلَى بِبَعْضٍ. وَلَا بَيَانَ فِي ذَلِكَ لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَخْلُفُونَهُ فِيمَا صَارَ مِيرَاثًا لَهُمْ وَالْمَالُ الَّذِي قُضِيَ بِهِ دَيْنُهُ لَمْ يَصِرْ مِيرَاثًا لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ رَأْيٍ كَانَ لَهُ فِي التَّعْيِينِ فَلَا يَصِيرُ مِيرَاثًا وَهُوَ حَقُّ الْبَيَانِ لِمَا أَرَادَهُ عِنْدَ الْإِعْطَاءِ.
وَلَا طَرِيقَ لِوَرَثَتِهِ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ فَلَا يَقُومُونَ فِيهِ مَقَامَهُ كَحَقِّ الْبَيَانِ فِي الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ، وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ الدَّافِعُ وَالْمَدْفُوعُ إلَيْهِ وَاخْتَلَفَتْ الْوَرَثَةُ فَإِنَّهَا مِنْ كُلِّ صَكٍّ ثَلَاثَةٌ إلَى أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى شَيْءٍ كَانَ مِنْ الدَّافِعِ قَبْلَ مَوْتِهِ فَبِهَا تَعَيُّنُ بَعْضِ الْجِهَاتِ فَيُجْعَلُ الثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ، أَوْ يَتَصَادَقُ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ عَلَى شَيْءٍ يَعْنِي وَرَثَةَ الدَّافِعِ وَالْمَدْفُوعِ إلَيْهِ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ فَإِذَا تَصَادَقُوا عَلَى شَيْءٍ كَانَ ذَلِكَ كَالثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ، أَوْ يَكُونُ الْقَابِضُ حَيًّا فَيَقُولُ شَيْئًا فَتُصَدِّقُهُ وَرَثَةُ الدَّافِعِ فِي ذَلِكَ.
وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلَيْنِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فِي صَكٍّ ثُمَّ إنْ أَحَدُهُمَا كَفَلَ عَنْ صَاحِبِهِ بِأَمْرِهِ ثُمَّ أَدَّى خَمْسَمِائَةٍ مِمَّا فِي الصَّكِّ فَجَعَلَهُ مِنْ حِصَّةِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ عِنْدَ الدَّفْعِ أَوْ بَعْدَ الدَّفْعِ؛ فَذَلِكَ صَحِيحٌ وَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُهُ وَيَرْجِعُ بِهَا الْمَكْفُولُ عَنْهُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ لِمَا أَدَّى. وَهَذَا الْبَيَانُ مِنْهُ مُفِيدٌ فَإِذَا قَبِلَ مِنْهُ؛ كَانَ مُؤَدِّيًا دَيْنَ الْكَفَالَةِ فَيَرْجِعُ عَلَى الْأَصِيلِ لِأَنَّهُ كَفَلَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ، وَلَوْ لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا حَتَّى كَفَلَ الْآخَرُ عَنْهُ أَيْضًا بِأَمْرِهِ فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ أَوْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ عَلَى ذَلِكَ فِي أَصْلِ الصَّكِّ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ أَوْ الْقَرْضِ فَأَيُّهُمَا قَضَى شَيْئًا فَهُوَ مِنْ حِصَّتِهِ خَاصَّةً دُونَ حِصَّةِ صَاحِبِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ حِصَّتَهُ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لَهُ فِي أَنْ يُجْعَلَ الْمُؤَدِّيَ عَنْ صَاحِبِهِ لَا مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ بِأَنْ يَقُولَ: أَنَا كَفِيلٌ عَنْك بِأَمْرِك، وَأَدَاؤُك عَنِّي كَأَدَائِي بِنَفْسِي فَكَانَ لِي أَنْ أُجْعَلَ الْمُؤَدِّيَ عَنْك فَأَنَا أَجْعَلُهُ الْآنَ عَنْك فَلَا يَزَالُ يَدُورُ كَذَلِكَ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فَالْمُؤَدِّي هُنَاكَ إذَا جُعِلَ الْمُؤَدِّيَ عَنْ صَاحِبِهِ لَا يَكُونُ لِصَاحِبِهِ أَنْ يُعَارِضَهُ فَيُجْعَلَ الْمُؤَدِّيَ عَنْهُ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَيْسَ بِكَفِيلٍ عَنْهُ. فَإِنْ أَدَّى زِيَادَةً عَلَى مِقْدَارِ حَقِّهِ؛ كَانَتْ مِمَّا كَفَلَ بِهِ عَنْ صَاحِبِهِ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَتَمَكَّنُ فِي مُعَارَضَتِهِ مِنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَقَدْ اسْتَفَادَ الْبَرَاءَةَ عَنْ حِصَّتِهِ بِأَدَائِهِ.
وَبَرَاءَةُ الْأَصِيلِ تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْكَفِيلِ، وَكَذَلِكَ إنْ شَرَطَ عِنْدَ الْأَدَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute