للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَالْمُشْتَرِي مِنْ الْوَكِيلِ إذَا أَقْبِضَ الْمُوَكِّلَ الثَّمَنَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ السَّاعِيَ يَقْبِضُ لِيَصْرِفَ إلَى الْفُقَرَاءِ فَهُوَ كَفَى السَّاعِيَ هَذِهِ الْمَئُونَةَ وَأَوْصَلَهَا إلَى مَحِلِّهَا فَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ سَبِيلٌ

(وَلَنَا) أَنَّ هَذَا حَقٌّ مَالِيٌّ يَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ بِوِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَلَا يَمْلِكُ مَنْ عَلَيْهِ إسْقَاطُ حَقِّهِ فِي الِاسْتِيفَاءِ كَمَنْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ إذَا صُرِفَ بِنَفْسِهِ إلَى الْمُقَاتَلَةِ، ثُمَّ تَقْرِيرُ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّ الزَّكَاةَ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّمَا يَسْتَوْفِيهِ مَنْ يُعَيَّنُ نَائِبًا فِي اسْتِيفَاءِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْإِمَامُ فَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ إلَّا بِالصَّرْفِ إلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا نَقُولُ: وَإِنْ عُلِمَ صِدْقُهُ فِيمَا يَقُولُ يُؤْخَذْ مِنْهُ ثَانِيًا وَلَا يَبْرَأُ بِالْأَدَاءِ إلَى الْفَقِيرِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ لِلْإِمَامِ رَأْيًا فِي اخْتِيَارِ الْمَصْرِفِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ رَأْيَ الْإِمَامِ بِالْأَدَاءِ بِنَفْسِهِ.

وَالطَّرِيقُ الْآخَرُ أَنَّ السَّاعِيَ عَامِلٌ لِلْفَقِيرِ وَفِي الْمَأْخُوذِ حَقُّ الْفَقِيرِ وَلَكِنَّهُ مَوْلًى عَلَيْهِ فِي هَذَا الْأَخْذِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْمُطَالَبَةَ بِنَفْسِهِ وَلَا يَجِبُ الْأَدَاءُ بِطَلَبِهِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ دَيْنٍ لِصَغِيرٍ دَفَعَهُ الْمَدْيُونُ إلَيْهِ دُونَ الْوَصِيِّ وَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ يَقُولُ يَبْرَأُ بِالْأَدَاءِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ " لَمْ يُصَدَّقْ فِي ذَلِكَ " إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا عُلِمَ صِدْقُهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْفَقِيرَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَقْبِضَ حَقَّهُ وَلَكِنْ لَا يَجِبُ الْإِيفَاءُ بِطَلَبِهِ فَجَعْلُ السَّاعِي نَائِبًا عَنْهُ كَانَ نَظَرًا مِنْ الشَّرْعِ لَهُ، فَإِذَا أَدَّى مَنْ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ مُطَالَبَةٍ إلَيْهِ حَصَلَ بِهِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَقْبِضَ حَقَّهُ فَلَا يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ

(قَالَ) وَلَا زَكَاةَ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فِي سَائِمَتِهِمَا عِنْدَنَا وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَا: لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الصَّبِيِّ حَتَّى تَجِبَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالِهِمَا وَيُؤَدِّيهَا الْوَلِيُّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ يُحْصِي الْوَلِيُّ أَعْوَامَ الْيُتْمِ فَإِذَا بَلَغَ أَخْبَرَهُ وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ وِلَايَةُ الْأَدَاءِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَتَّى قَالَ: إذَا أَدَّاهُ الْوَلِيُّ مِنْ مَالِهِ ضَمِنَ وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ابْتَغُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى خَيْرًا كَيْ لَا تَأْكُلَهَا الصَّدَقَةُ، أَوْ قَالَ: تَأْكُلَهَا الزَّكَاةُ»، وَذَلِكَ دَلِيلُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي مَالِهِ.

وَالْمَعْنَى أَنَّ هَذَا حَقٌّ مَالِيٌّ مُسْتَحَقٌّ يُصْرَفُ إلَى أَهْلِ السُّهْمَانِ شَرْعًا فَالصِّغَرُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَهُ كَالْعُشْرِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَبِالصَّرْفِ إلَى أَهْلِ السُّهْمَانِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ لَهُمْ وَالصِّغَرُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ حَقِّ الْعِبَادِ، وَإِنْ كَانَ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ كَالنَّفَقَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَالنَّفَقَةُ صِلَةٌ وَجَبَتْ لِلْمَحَاوِيجِ الْمَاسِّينَ لَهُ فِي الْقَرَابَةِ، وَالزَّكَاةُ صِلَةٌ لِلْمَحَاوِيجِ

<<  <  ج: ص:  >  >>