حَتَّى إذَا سَقَطَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ إذَا تَمَّ الْحَوْلُ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ بِلُحُوقِ الدَّيْنِ، وَهَذَا لِأَنَّ الدَّيْنَ يُعْدِمُ صِفَةَ الْغِنَى فِي الْمَالِكِ فَيَكُونُ نَظِيرَ نُقْصَانِ النِّصَابِ، وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِنُقْصَانِ النِّصَابِ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ، وَعِنْدَنَا لَا يَنْقَطِعُ عَلَى مَا تَبَيَّنَ فَهَذَا مِثْلُهُ
(قَالَ) فَإِنْ حَضَرَ الْمُصَدِّقُ، فَقَالَ: لَمْ يَحُلْ الْحَوْلُ عَلَى السَّائِمَةِ أَوْ قَالَ: عَلَيَّ دَيْنٌ يُحِيطُ بِقِيمَتِهَا أَوْ قَالَ: لَيْسَتْ هَذِهِ السَّائِمَةُ لِي وَحَلَفَ صُدِّقَ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ، فَإِنَّهَا عِبَادَةٌ خَالِصَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَكُلُّ أَمِينٍ مَقْبُولُ الْقَوْلِ فِي الْعِبَادَاتِ الَّتِي تَجِبُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِذَا أَنْكَرَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَ مِنْ الْأَسْبَابِ وَجَبَ عَلَى السَّاعِي تَصْدِيقُهُ وَلَكِنْ يُحَلِّفُهُ عَلَى ذَلِكَ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: لَا يَمِينَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِي الْعِبَادَاتِ لَا يَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ كَمَا لَوْ قَالَ: صُمْتُ أَوْ صَلَّيْتُ يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ مَعَ الْيَمِينِ، وَفِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ إنَّمَا لَا يَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يُكَذِّبُهُ وَهُنَا السَّاعِي مُكَذِّبٌ لَهُ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ فَلِهَذَا يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ
(قَالَ) وَإِنْ قَالَ: أَخَذَهَا مِنِّي مُصَدِّقٌ آخَرُ وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي تِلْكَ السَّنَةِ مُصَدِّقٌ آخَرُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَمِينَ إذَا أَخْبَرَ بِمَا هُوَ مُحْتَمَلٌ كَانَ مُصَدَّقًا، وَإِذَا أَخْبَرَ بِمَا هُوَ مُسْتَنْكَرٌ لَمْ يَكُنْ مُصَدَّقًا، وَهَذَا أَخْبَرَ بِمَا هُوَ مُسْتَنْكَرٌ، وَإِنْ كَانَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ مُصَدِّقٌ آخَرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ أَتَى بِالْبَرَاءَةِ أَوْ لَمْ يَأْتِ بِهَا هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَفِي كِتَابِ الزَّكَاةِ يَقُولُ: وَجَاءَ بِالْبَرَاءَةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَجِيءَ بِالْبَرَاءَةِ شَرْطٌ لِتَصْدِيقِهِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - وَجْهُهُ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِخَبَرٍ وَلِصِدْقِهِ عَلَامَةٌ، فَإِنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْمُصَدِّقَ إذَا أَخَذَ الصَّدَقَةَ دَفَعَ الْبَرَاءَةَ، فَإِنْ وَافَقَتْهُ تِلْكَ الْعَلَامَةُ قُبِلَ خَبَرُهُ وَإِلَّا فَلَا كَالْمَرْأَةِ الَّتِي أَخْبَرَتْ بِالْوِلَادَةِ، فَإِنْ شَهِدَتْ الْقَابِلَةُ بِهَا قُبِلَتْ وَإِلَّا فَلَا وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَهُوَ أَصَحُّ أَنَّ الْبَرَاءَةَ خَطٌّ وَالْخَطُّ يُشْبِهُ الْخَطَّ، وَقَدْ لَا يَأْخُذُ صَاحِبُ السَّائِمَةِ الْبَرَاءَةَ غَفْلَةً مِنْهُ، وَقَدْ تَضِلُّ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ بَعْدَ الْأَخْذِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ حُكْمًا فَبَقِيَ الْمُعْتَبَرُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ
(قَالَ) فَإِنْ قَالَ: دَفَعْتُهَا إلَى الْمَسَاكِينِ لَمْ يُصَدَّقْ وَتُؤْخَذُ مِنْهُ الزَّكَاةُ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا وَجَبَتْ لِحَقِّ الْفُقَرَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: ٦٠]، وَقَالَ {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} [المعارج: ٢٤] {لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: ٢٥]، فَإِذَا أَوْصَلَ الْحَقَّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ وَالْمُسْتَحِقُّ مِنْ أَهْلِ أَخْذِ حَقِّهِ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute