للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَفْضَلِهِنَّ فَهَذَا هُوَ الْإِيجَابُ فِي الصِّغَارِ عَلَى قِيَاسِ الْإِيجَابِ فِي الْكِبَارِ

وَإِذَا كَانَ عَلَى صَاحِبِ السَّائِمَةِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِقِيمَتِهَا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ النِّصَابِ الْكَامِلِ النَّامِي وَالْمَدْيُونُ مَالِكٌ لِذَلِكَ، فَإِنَّ دَيْنَ الْحُرِّ الصَّحِيحِ يَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَالِهِ وَلِهَذَا مَلَكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ وَصِفَةُ النَّمَاءِ بِالْإِسَامَةِ، وَلَمْ يَنْعَدِمْ ذَلِكَ بِسَبَبٍ، ثُمَّ الدَّيْنُ مَعَ الزَّكَاةِ حِقَّانِ اخْتَلَفَا مَحِلًّا وَمُسْتَحَقًّا وَسَبَبًا فَوُجُوبُ أَحَدِهِمَا لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْآخَرِ كَالدَّيْنِ مَعَ الْعُشْرِ

(وَلَنَا) حَدِيثُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَيْثُ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ فِي رَمَضَانَ، أَلَا إنَّ شَهْرَ زَكَاتِكُمْ قَدْ حَضَرَ فَمَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيَحْتَسِبْ مَالَهُ بِمَا عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُزَكِّ بَقِيَّةَ مَالِهِ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَكَانَ إجْمَاعًا مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْقَدْرِ الْمَشْغُولِ بِالدَّيْنِ، ثُمَّ الْمَدْيُونُ فَقِيرٌ وَلِهَذَا تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ مَالِهِ وَالصَّدَقَةُ لَا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ وَلَا تَجِبُ إلَّا عَلَى الْغَنِيِّ.

قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى»، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ إغْنَاءُ الْمُحْتَاجِ، وَالْخِطَابُ بِالْإِغْنَاءِ لَا يَتَوَجَّهُ إلَّا عَلَى الْغَنِيِّ وَمَنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْمُوَاسَاةِ شَرْعًا لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُوَاسِيَ غَيْرَهُ وَالشَّرْعُ لَا يَرُدُّ بِمَا لَا يُفِيدُ وَلَا فَائِدَةَ فِي أَنْ يَأْخُذَ شَاةً مِنْ سَائِمَةِ الْغَيْرِ صَدَقَةً وَيُعْطِيَ شَاةً مِنْ سَائِمَتِهِ، وَلِأَنَّ مِلْكَهُ فِي النِّصَابِ نَاقِصٌ، فَإِنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ يَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ عَدِمَ الْمِلْكَ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ وَالْمَغْصُوبِ فَلَأَنْ يَكُونَ دَلِيلَ نُقْصَانِ الْمِلْكِ كَانَ أَوْلَى، وَقَدْ جُعِلَ مَالُ الْمَدْيُونِ فِي حُكْمِ الزَّكَاةِ كَالْمَمْلُوكِ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ بِسَبَبِهِ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَشَارَ فِي الْكِتَابِ إلَى هَذَا، وَقَالَ: إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي مَالِ الْمَدْيُونِ يُؤَدِّي إلَى تَزْكِيَةِ مَالٍ وَاحِدٍ فِي حَوْلٍ وَاحِدٍ مِرَارًا.

بَيَانُهُ فِيمَنْ لَهُ عَبْدٌ لِلتِّجَارَةِ يُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ بَاعَهُ بِأَلْفٍ نَسِيئَةً، ثُمَّ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ حَتَّى تَدَاوَلَتْهُ عَشْرٌ مِنْ الْأَيْدِي فَعِنْدَهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَكَاةُ الْأَلْفِ إذَا تَمَّ الْحَوْلُ وَالْمَالُ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ إلَّا الْعَبْدَ حَتَّى إذَا أُقِيلَتْ الْبُيُوعُ رَجَعَ الْعَبْدُ إلَى الْأَوَّلِ، وَلَمْ يَبْقَ لِأَحَدٍ سِوَاهُ شَيْءٌ، وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْعُشْرِ وَبَعْدَ التَّسْلِيمِ فَالْعُشْرُ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ النَّامِيَةِ كَالْخَرَاجِ لَا مُعْتَبَرَ فِيهِ بِغِنَى الْمَالِكِ، فَإِنَّ أَصْلَ الْمَالِكِ فِيهِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عِنْدَنَا حَتَّى يَجِبَ فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ وَأَرْضِ الْمُكَاتِبِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ، فَإِنَّ وُجُوبَهَا فِي الْمَالِ النَّامِي بِوَاسِطَةِ غِنَى الْمَالِكِ، وَذَلِكَ يَنْعَدِمُ بِسَبَبِ الدَّيْنِ، فَإِنْ لَحِقَهُ دَيْنٌ فِي خِلَالِ الْحَوْلِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يَنْقَطِعُ بِهِ الْحَوْلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>