للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَلَكِنَّهُ يُحْبَسُ عَلَى وَجْهِ التَّعْزِيرِ وَتُوضَعُ السَّرِقَةُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ؛ لِأَنَّ السَّارِقَ غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَى الْعَيْنِ الْمَسْرُوقَةِ وَالْمُدَّعِي عَلَيْهِ الْمَالَ إذَا كَانَ يَخَافُ مِنْهُ أَنْ يُتْلِفَ الْمَالَ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَضَعَهُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ حَتَّى يُزَكِّيَ الشُّهُودُ وَإِخْرَاجُ الْعَيْنِ فِيهِ نَوْعُ تَعْزِيرٍ لَهُ.

وَإِذَا ادَّعَى عَبْدٌ عَلَى حُرٍّ قَذْفًا وَأَرَادَ أَنْ يَعْذِرَ لَهُ أَوْ ادَّعَى رَجُلٌ قِبَلَ رَجُلٍ مَسْأَلَةً فِيهَا تَعْزِيرٌ، وَقَالَ: بَيِّنَتِي حَاضِرَةٌ أَخَذَ لَهُ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَدٍّ وَإِنَّمَا هُوَ تَعْزِيرٌ وَهُوَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ حَتَّى يَجُوزَ الْعَفْوُ عَنْهُ وَهُوَ مِمَّا لَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ الَّتِي هِيَ فِي مَعْنَى الْبَدَلِ بِمَنْزِلَةِ الْأَمْوَالِ.

وَلَوْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ قَذَفَهَا وَالزَّوْجُ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ؛ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ كَفِيلٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ فِي قَذْفِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَدِّ فِي قَذْفِ الْأَجْنَبِيِّ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْخِلَافَ هُنَاكَ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فَكَذَلِكَ هُنَا.

وَلَوْ ادَّعَى الْوَلَدُ قِبَلَ الْوَالِدِ قَذْفًا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ كَفِيلٌ وَلَمْ يُتْرَكْ إنْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّ الِابْنَ لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى وَالِدِهِ شَيْئًا مِنْ نَوْعِ الْعُقُوبَةِ تَعْزِيرًا كَانَ أَوْ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا، وَكَذَلِكَ لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَيْهِ الْحَبْسَ فِي دَيْنٍ لَهُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَا يَسْتَوْجِبُ الْمُلَازَمَةَ فِي دَعْوَاهُ قِبَلَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَاهُ قِبَلَ وَالِدَتِهِ أَوْ جَدِّهِ أَوْ جَدَّتِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى عَبْدٌ أَنَّ مَوْلَاهُ قَذَفَ أُمَّهُ وَهِيَ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْمِلْكِ فِي إخْرَاجِ الْمَمْلُوكِ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِاسْتِيجَابِ الْعُقُوبَةِ عَلَى مَالِكِهِ بِمَنْزِلَةِ الْوِلَادَةِ.

وَلَوْ ادَّعَى حُرٌّ قِبَلَ عَبْدٍ قَذْفًا فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ أَوْ نَفْسِ مَوْلَاهُ وَخَافَ أَنْ لَا يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ مَوْلَاهُ لَمْ يُؤْخَذْ لَهُ الْكَفِيلُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَكِنَّهُ يُؤْمَرُ بِتَلَازُمِهِمَا إلَى أَنْ يَقُومَ الْقَاضِي فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ مَوْلَاهُ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ يُحْبَسُ لَهُ وَيُؤْخَذُ لَهُ مِنْ مَوْلَاهُ كَفِيلٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُحْبَسُ الْعَبْدُ، وَلَكِنْ يُؤْخَذُ لَهُ كَفِيلٌ بِنَفْسِ الْعَبْدِ خَاصَّةً دُونَ نَفْسِ الْمَوْلَى، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُؤْخَذُ لَهُ الْكَفِيلُ بِنَفْسِ الْعَبْدِ وَنَفْسِ مَوْلَاهُ وَاَلَّذِي قَالَ فِي الْكِتَابِ: إنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا يُرِيدُ بِهِ أَخْذَ الْكَفِيلِ مِنْ الْمَوْلَى فَأَمَّا حَبْسُ الْعَبْدِ فَقَوْلُهُ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا مَا بَيَّنَّا مِنْ أَخْذِ الْكَفِيلِ بِنَفْسِ الْمُدَّعِي قِبَلَهُ حَدَّ الْقَذْفِ، وَالْأُخْرَى: مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْآبِقِ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ بِالْبَيِّنَةِ لَا يُقَامُ عَلَى الْعَبْدِ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ مَوْلَاهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُقَامُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ الْمَوْلَى. فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَأْخُذُ الْكَفِيلَيْنِ بِنَفْسِ

<<  <  ج: ص:  >  >>