الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى حُضُورِهِ فِي إقَامَتِهِ الْحَدَّ وَيُؤْخَذُ الْكَفِيلُ بِنَفْسِ الْعَبْدِ وَلَا يُحْبَسُ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَلَا بَعْدَهَا قَبْلَ ظُهُورِ عَدَالَةِ الشُّهُودِ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ عِنْدَهُ فِي حُكْمِ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: يُؤْخَذُ الْكَفِيلُ بِنَفْسِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَضْرَةِ الْمَوْلَى لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى الْعَبْدِ عِنْدَهُ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي دَعْوَى حَدِّ الْقَذْفِ لَا يُجْبَرُ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ بِالنَّفْسِ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَلَكِنْ يُصَارُ فِيهِ إلَى الْمُلَازَمَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ حَضْرَةِ الْمَوْلَى عِنْدَهُ لِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَيَكُونُ لِلْمُدَّعِي أَنْ يُلَازِمَهُمَا وَبَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ يُحْبَسُ الْعَبْدُ تَعْزِيرًا كَمَا يُحْبَسُ الْحَرُّ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِالْقَذْفِ وَيُؤْخَذُ مِنْ مَوْلَاهُ كَفِيلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَضْرَةِ الْمَوْلَى لِإِقَامَةِ الْحَدِّ وَلَا سَبِيلَ إلَى حَبْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَا ارْتَكَبَ حَرَامًا فَيُؤْخَذُ مِنْهُ كَفِيلٌ نَظَرًا لِلْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ مِنْ الْمَوْلَى هُنَا تَوَثُّقٌ بِحَدٍّ عَلَيْهِ إذْ لَا حَدَّ عَلَى الْمَوْلَى.
وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ حَدًّا فِي قَذْفٍ فَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ أَوْ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ لَمْ يَكْفُلْ وَلَمْ يُحْبَسْ، وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْحُجَّةِ فِي حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ. وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي سَرِقَةٍ أُخِذَ مِنْهُ كَفِيلٌ بِنَفْسِهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَثْبُتُ بِهَذِهِ الْحُجَّةِ فَإِنْ زَكَّوْا قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْمَالِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ جِرَاحَةٍ لَا قِصَاصَ فِيهَا لَا فِي دَعْوَى الْمَالِ، وَبِمِثْلِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ يَثْبُتُ الْمَالُ. فَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ دَمَ عَمْدٍ عَلَى ثَلَاثَةِ نَفَرٍ فَأَقَرَّ اثْنَانِ مِنْهُمْ بِذَلِكَ وَشَهِدَا عَلَى الثَّالِثِ أَنَّهُ قَتَلَ مَعَهُمَا عَمْدًا فَإِنَّهُمَا يُحْبَسَانِ فَإِقْرَارُهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِمُبَاشَرَةِ السَّبَبِ الْمُوجِبُ لِلْعُقُوبَةِ، وَلَا يُحْبَسُ الْآخَرُ بِشَهَادَتِهِمَا وَلَا يَكْفُلُ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمَا لَيْسَتْ بِمَقْبُولَةٍ عَلَى الثَّالِثِ فَإِنَّهُمَا فَاسِقَانِ وَلِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ بِفِعْلٍ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا وَلَا شَهَادَةَ لَهُمَا فِي مِثْلِهِ فَإِنَّمَا فِي حَقِّ الثَّالِثِ مُجَرَّدُ دَعْوَى الْمُدَّعِي وَبِهِ لَا يَثْبُتُ الْحَبْسُ وَلَا التَّكْفِيلُ. وَلَوْ كَانَ أَوْلِيَاءُ الدَّمِ ثَلَاثَةً فَادَّعَى أَحَدُهُمْ عَلَى رَجُلٍ وَادَّعَى الْآخَرُ عَلَى الشَّرِيكِ قَتْلَ الْعَمْدِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي بَيِّنَةً حَاضِرَةً لَمْ يُحْبَسْ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَلَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ كَفِيلٌ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى وَإِنَّمَا إنْهَاءُ الْمَالِ بِشَيْءٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَنْ بَيِّنَتُهُ عَلَيْهِ فِي دَعْوَى الْمَالِ يَكْفُلُ بِالنَّفْسِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.
وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ قِبَلَ رَجُلٍ قَطْعَ يَدٍ عَمْدًا ثُمَّ أَبْرَأَهُ وَادَّعَاهُ عَلَى الْآخَرِ؛ لَمْ يَكْفُلْ الثَّانِي وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةٌ عَلَيْهِ لِوُجُودِ التَّنَاقُضِ مِنْهُ فِي الدَّعْوَى فَإِنْ أَقَرَّ الثَّانِي بِذَلِكَ قَضَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ صَدَقَ خَصْمُهُ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِالْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الدَّعْوَى مِنْهُ عَلَى غَيْرِهِ يَمْنَعُهُ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ مِنْهُ فَيَصِيرُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي حَقِّ الْقِصَاصِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute