للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ غَصْبٍ فَسَأَلَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ عَنْهُ نُجُومًا عَلَى أَنْ يَضْمَنَهُ لَهُ فُلَانٌ الْغَائِبُ فَصَالَحَهُ عَلَى ذَلِكَ فَقَدِمَ الْكَفِيلُ فَأَبَى أَنْ يَضْمَنَ؛ فَالصُّلْحُ مُنْتَقَضٌ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى التَّنْجِيمِ فِي الْمَالِ يَعْتَمِدُ تَمَامَ الرِّضَا وَهُوَ مَا رَضِيَ بِذَلِكَ إلَّا بِكَفَالَةِ الْكَفِيلِ فَإِذَا أَبَى أَنْ يَكْفُلَ كَانَ الْمَالُ حَالًّا عَلَيْهِ كَمَا كَانَ وَإِنْ ضَمِنَ الْكَفِيلُ بَعْدَ مَا حَضَرَ جَازَ الصُّلْحُ لِتَمَامِ الرِّضَا بِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ فِي مَجْلِسِ الصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْعَقْدِ مِنْ التَّمْلِيكِ شَيْءٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتِمَّ الرِّضَا بِهِ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَ الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ مَالٌ بِمَالٍ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّيِّقِ فَإِذَا لَمْ يَحْضُرْ الْكَفِيلُ فِي الْمَجْلِسِ صَارَ اشْتِرَاطُ كَفَالَتِهِ شَرْطًا فَاسِدًا. وَالْبَيْعُ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَهَذَا لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَقَّفَ عَلَى الْقَبُولِ بَعْدَ الْمَجْلِسِ فَكَذَلِكَ لَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى قَبُولِ الْكَفَالَةِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ بَعْدَ الْمَجْلِسِ وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا فَأَبَى أَنْ يَضْمَنْ لَمْ يَجُزْ الصُّلْحُ لِانْعِدَامِ تَمَامِ الرِّضَا بِهِ، وَإِنْ ضَمِنَ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ اشْتَرَطَ فِي التَّأْخِيرِ أَنَّهُ إنْ أَخَّرَهُ عَنْ مَحَلِّهِ فَالْمَالُ كُلُّهُ حَالٌّ أَوْ إنْ أَخَّرَ نَجْمًا عَنْ مَحَلِّهِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ؛ فَالْمَالُ كُلُّهُ حَالٌّ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا اشْتَرَطَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الصُّلْحِ مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ شَيْءٌ وَهَذَا الشَّرْطُ فِي الصُّلْحِ مُتَعَارَفٌ وَلَوْ أَعْطَاهُ كَفِيلًا عَلَى أَنْ جَعَلَ لَهُ أَجَلًا مَعْلُومًا؛ كَانَ جَائِزًا فِي جَمِيعِ الدُّيُونِ إلَّا الْقَرْضَ فَإِنَّهُ حَالٌّ عَلَى الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ حَقُّ الْأَصِيلِ كَالْعَارِيَّةِ لَا يَلْزَمُ فِيهِ الْأَجَلُ وَهُوَ مُؤَجَّلٌ عَلَى الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ بِعَقْدِ الْكَفَالَةِ. وَالدَّيْنُ الْوَاجِبُ بِالْعَقْدِ يَقْبَلُ الْأَجَلَ.

وَإِذَا كَفَلَ الْمَرِيضُ بِمَالٍ ثُمَّ مَاتَ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ مِنْ ثُلُثِهِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تَبَرُّعٌ وَتَبَرُّعَاتِ الْمَرِيضِ تَصِحُّ مِنْ ثُلُثِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ كَفَلَ بِهِ فِي الصِّحَّةِ؛ لَزِمَهُ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ مَالِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِوَارِثٍ وَلَا عَنْ وَارِثٍ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ فِي الصِّحَّةِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ وَإِقْرَارُهُ فِي الْمَرَضِ بِسَبَبِ وُجُوبِ الدَّيْنِ مُضَافًا إلَى حَالِ الصِّحَّةِ يَكُونُ إقْرَارًا بِالدَّيْنِ. وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ لِلْأَجْنَبِيِّ بِالدَّيْنِ صَحِيحٌ وَلِلْوَارِثِ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ عَنْ وَارِثٍ فَهَذَا قَوْلٌ مِنْ الْمَرِيضِ فِيهِ مَنْفَعَةُ وَارِثِهِ. وَالْمَرِيضُ مَحْجُورٌ عَنْ مِثْلِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ دَيْنَ الصِّحَّةِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ فِي الْمَرَضِ فَمَا بَقِيَ دَيْنُ الصِّحَّةِ لَمْ يُعْتَبَرْ إقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ فِي الْمَرَضِ، وَإِذَا كَفَلَ فِي الصِّحَّةِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ فُلَانٌ لِفُلَانٍ وَلَمْ يُسَمِّهِ ثُمَّ مَرِضَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِمَالِهِ فَأَقَرَّ الْمَكْفُولُ عَنْهُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ لَزِمَ الْمَرِيضَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْمَالِ قَدْ تَمَّ مِنْهُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ وَهُوَ الْكَفَالَةُ، وَالدَّيْنُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ السَّبَبِ بِمَنْزِلَةِ دَيْنِ الصِّحَّةِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَقَرَّ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّ الْمُقِرَّ لَهُ يُخَلِّصُ غُرَمَاءَ الْكَفِيلِ بِذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>