للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ أَصْلَهُ كَانَ فِي الصِّحَّةِ وَكَانَ قَدْ لَزِمَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَنْهُ وَإِبْطَالَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَفَلَ بِمَا ذَابَ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ أَوْ بِمَا صَارَ لَهُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لِوَارِثٍ أَوْ عَنْ وَارِثٍ أَوْ لِوَارِثٍ عَنْ وَارِثٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الصِّحَّةِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ ضَمَانِ الدَّرَكِ فَإِنَّهُ لَوْ كَفَلَ فِي صِحَّتِهِ بِمَا أَدْرَكَهُ مِنْ دَرَكٍ فِي دَارٍ اشْتَرَاهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ فِي مَرَضِ الْكَفِيلِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَضْرِبُ مَعَ غُرَمَاءِ الْكَفِيلِ الْمَيِّتِ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الدَّيْنِ كَانَ فِي الصِّحَّةِ بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ فِي الْمَرَضِ.

وَإِنْ كَفَلَ فِي الْمَرَضِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ ثُمَّ اسْتَدَانَ دَيْنًا يُحِيطُ بِمَالِهِ ثُمَّ مَاتَ فَالْكَفَالَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ مَا لَزِمَهُ فِي الْمَرَضِ مِنْ الدَّيْنِ بِسَبَبٍ مُعَايِنٍ بِمَنْزِلَةِ دَيْنِ الصِّحَّةِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْكَفَالَةَ فِي الْمَرَضِ لَا تَصِحُّ إذَا كَانَ دَيْنُ الصِّحَّةِ مُحِيطًا بِمَالِهِ وَإِذَا كَفَلَ رَجُلٌ لِرَجُلَيْنِ وَقَالَ: قَدْ كَفَلْت لِفُلَانٍ بِمَالِهِ عَلَى فُلَانٍ، أَوْ كَفَلْت لِفُلَانٍ الْآخَرَ بِمَالِهِ عَلَى فُلَانٍ؛ فَهَذَا بَاطِلٌ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ جِنْسَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ وَالْمَكْفُولَ عَنْهُ مَجْهُولٌ فَتَكُونُ الْجَهَالَةُ مُتَفَاحِشَةً وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ تَمْنَعُ الْكَفَالَةَ

وَلَوْ كَانَ الْحَقُّ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى رَجُلَيْنِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ: كَفَلْت لَكَ بِمَالِكٍ عَلَى فُلَانٍ فَهَذَا جَائِزٌ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ جِنْسَيْنِ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ هُنَا يَسِيرَةٌ مُسْتَدْرَكَةٌ وَهِيَ جَهَالَةُ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَمِثْلُ هَذِهِ الْجَهَالَةِ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ الْمَبْنِيِّ عَلَى التَّوَسُّعِ وَهَذَا لِأَنَّ الطَّالِبَ مَعْلُومٌ فَتَتَوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ مِنْ جِهَتِهِ عَلَى الْكَفِيلِ وَإِنَّمَا بَقِيَ الْخِيَارُ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ فِي أَنْ يُؤَدِّيَ أَيَّ الْمَالَيْنِ شَاءَ. وَلَوْ كَفَلَ عَنْ وَاحِدٍ بِأَحَدِ الْمَالَيْنِ؛ جَازَ فَهَذَا مِثْلُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَالْمُطَالَبَةُ هُنَاكَ لَا تَتَوَجَّهُ مِنْ الْمَجْهُولِ عَلَى الْكَفِيلِ وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فِي هَذَا مِثْلُ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ: كَفَلْت لَك بِنَفْسِ فُلَانٍ فَإِنْ لَمْ أُوَافِكَ بِهِ غَدًا فَعَلَيَّ مَا لَك عَلَيْهِ وَهُوَ الْمِائَةُ دِينَارٍ أَوْ بِنَفْسِ فُلَانٍ فَإِنْ لَمْ أُوَافِك بِهِ غَدًا فَعَلَيَّ مَا لَك عَلَيْهِ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَلَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا؛ فَهُوَ ضَامِنٌ لِأَحَدِهِمَا أَحَدَ الْمَالَيْنِ أَيُّ ذَلِكَ شَاءَ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ وَاحِدٌ مَعْلُومٌ، وَإِنْ دَفَعَ أَحَدُهُمَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ؛ بَرِئَ مِنْ الْكَفَالَةِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّ اشْتِغَالَهُ بِدَفْعِ أَحَدِهِمَا اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِكَفَالَتِهِ فَتَبْطُلُ عَنْهُ كَفَالَتُهُ عَنْ الْآخَرِ بِهَذَا الِاخْتِيَارِ وَقَدْ وُجِدَتْ الْمُوَافَاةُ فِي حَقِّ الَّذِي اخْتَارَ فَيَبْرَأُ مِنْ كَفَالَتِهِ أَيْضًا

وَلَوْ كَانَ لِرَجُلَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى رَجُلٍ مَالٌ فَقَالَ رَجُلٌ لِأَحَدِهِمَا: كَفَلْت بِنَفْسِ غَرِيمِك فُلَانٍ فَإِنْ لَمْ أُوَافِك بِهِ غَدًا فَمَا لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ فَهُوَ عَلَيَّ؛ جَازَتْ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ كَفَلَ بِهَا لِمَعْلُومٍ مُطْلَقًا وَبَطَلَتْ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّهَا مُخَاطَرَةٌ فَإِنَّ الْحَقَّ لَيْسَ لِلْمَكْفُولِ لَهُ بِالنَّفْسِ وَمَا كَانَ صِحَّةُ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَالِ لِتَثْبُتَ الْكَفَالَةُ بِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>