للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَرْطُهُ إنْ لَمْ يُعْطِهِ كَفِيلًا؛ بَرِئَ مِنْ الْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِمَنْزِلَةِ الرَّهْنِ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الرَّهْنِ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مَعَ الطَّالِبِ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ فَكَذَلِكَ فِي الْكَفَالَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْكَفِيلِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّوَثُّقُ وَالنَّظَرُ لِنَفْسِهِ حَتَّى لَا يَلْحَقَهُ غُرْمٌ، وَإِنْ كَتَبَ الْكَفِيلُ عَلَى دَارِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ شِرَاءً بِالْمَالِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ شِرَاءٌ بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ وَهَذَا قَضَاءٌ مِنْ الْمَكْفُولِ عَنْهُ لِلْكَفِيلِ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ فَكَأَنَّهُ أَوْفَاهُ الدَّيْنَ حَقِيقَةً

وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ لِلْكَفِيلِ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ إلَى سَنَةٍ فَعَلَيْهِ الْمَالُ الَّذِي عَلَيْهِ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَعْطَى الْمَكْفُولَ عَنْهُ رَهْنًا بِالْمَالِ قَبْلَ السَّنَةِ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْكَفِيلِ بَعْدُ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْتِزَامَ الْمَالِ بِشَرْطِ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ فَلَا يَكُونُ وَاجِبًا قَبْلَ الشَّرْطِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ نَفْسَهُ إلَيْهِ قَبْلَ الْأَجَلِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ شَيْءٌ فَإِنْ قِيلَ: فَأَيْنَ ذَهَبَ قَوْلُكُمْ إنَّ فِي كَلَامِهِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا أَوْ: إنَّهُ الْتَزَمَ الْمَالَ ثُمَّ جَعَلَ الْمُوَافَاةَ بِنَفْسِهِ صَرْفًا لَهُ عَنْ الْمَالِ قُلْنَا: ذَلِكَ طَرِيقٌ صَارَ إلَيْهِ بَعْضُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - لِتَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ بِالْمَالِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ بِالنَّفْسِ فَأَمَّا فِي الْحَقِيقَةِ فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ بِالْتِزَامِهِ وَهُوَ مَا الْتَزَمَ الْمَالَ إلَّا بَعْدَ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ بِالنَّفْسِ غَدًا فَلَا يَكُونُ الْمَالُ وَاجِبًا عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ عَلَى وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَخْتَصُّ بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ فَإِنَّ مُوجَبَهُ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ رَهْنًا بِغَيْرِ مَالٍ. وَضَمَانُ الرَّهْنِ ضَمَانُ اسْتِيفَاءٍ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ بِدُونِ الدَّيْنِ.

وَإِذَا كَفَلَ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ بِمَا لَمْ يَحِلَّ عَلَيْهِ بَعْدُ فَقَالَ: إذَا حَلَّ الْمَالُ فَهُوَ عَلَيَّ وَأَعْطَى الْمَكْفُولُ عَنْهُ الْكَفِيلَ رَهْنًا كَانَ جَائِزًا؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْمَالَ بِعَقْدِ الْكَفَالَةِ وَجَعَلَ مُطَالَبَةَ الطَّالِبِ عَنْهُ مُتَأَخِّرَةً إلَى مَا بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَانِعٍ وُجُوبَ أَصْلِ الْمَالِ عَلَى الْأَصِيلِ فَكَذَلِكَ عَلَى الْكَفِيلِ وَإِذَا وَجَبَ الْمَالُ عَلَى الْكَفِيلِ وَجَبَ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ أَيْضًا فَيَجُوزُ الرَّهْنُ بِهِ.

وَلَوْ قَالَ: إنْ تَوَى مَا لَك عَلَيْهِ فَهُوَ عَلَيَّ وَأَعْطَاهُ بِذَلِكَ رَهْنًا لَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَمْ يَجِبْ بَعْدُ فَإِنَّهُ عَلَّقَ الْتِزَامَ الْمَالِ بِالشَّرْطِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: إنْ مَاتَ وَلَمْ يُوَفِّك الْمَالَ فَهُوَ عَلَيَّ فَأَعْطَاهُ الْمَكْفُولُ عَنْهُ بِهِ رَهْنًا فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَمْ يَجِبْ بَعْدُ وَالْكَفَالَةُ جَائِزَةٌ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُتَعَارَفٌ فِي الْكَفَالَاتِ

وَلَوْ أَخَذَ الْكَفِيلُ بِالدَّرَكِ رَهْنًا فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ وَالْكَفَالَةُ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْكَفِيلِ قَبْلَ لُحُوقِ الدَّرَكِ فَلَا يَكُونُ وَاجِبًا عَلَى الْأَصِيلِ فَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ وَكُلُّ مَا أَبْطَلْنَا فِيهِ الرَّهْنَ بِالْمَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>