إيجَابِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا سَقَتْهُ السَّمَاءُ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِغَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ» وَإِنْ كَانَ يُسِيمُهَا فِي بَعْضِ السَّنَةِ وَيَعْلِفُهَا فِي بَعْضِ السَّنَةِ فَالْعِبْرَةُ لِأَكْثَرِ السَّنَةِ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ السَّوَائِمِ لَا يَجِدُونَ بُدًّا مِنْ أَنْ يَعْفُوا سَوَائِمَهُمْ فِي زَمَانِ الْبَرْدِ وَالثَّلْجِ فَجَعَلْنَا الْأَقَلَّ تَابِعًا لِلْأَكْثَرِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ عَلَفَهَا بِقَدْرِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ مُؤْنَةُ عَلَفِهِ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ سَائِمَةً فَلَا زَكَاةَ فِيهَا
(قَالَ) وَالصَّدَقَةُ وَاجِبَةٌ فِي ذُكْرَانِ السَّوَائِمِ وَإِنَاثِهَا؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ جَاءَتْ بِاسْمِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَذَلِكَ يَتَنَاوَلُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ، ثُمَّ طَلَبُ النَّمَاءِ مِنْ الْعَيْنِ مُتَحَقِّقٌ فِي كُلِّ نَوْعٍ، إمَّا مِنْ الْأَوْلَادِ إذَا كُنَّ إنَاثًا بِأَنْ يُسْتَعَارُ لَهَا فَحْلٌ أَوْ مِنْ السَّمْنِ إذَا كَانُوا ذُكُورًا فَإِنَّهَا مَأْكُولَةَ اللَّحْمِ
(قَالَ) وَإِذَا بَاعَ السَّائِمَةَ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ بِجِنْسِهَا أَوْ بِخِلَافِ جِنْسِهَا انْقَطَعَ الْحَوْلُ عِنْدَنَا، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا بَاعَهَا بِخِلَافِ جِنْسِهَا فَكَذَلِكَ، وَإِذَا بَاعَهَا بِجِنْسِهَا لَمْ يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْقَدِيمِ: سَوَاءٌ بَاعَهَا بِجِنْسِهَا أَوْ بِخِلَافِ جِنْسِهَا لَمْ يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الثَّابِتَ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ غِنَى الْمَالِكِ بِهِ يَبْقَى بِبَقَاءِ الْبَدَلِ وَقَاسَهُ بِعُرُوضِ التِّجَارَةِ وَزُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: إذَا بَاعَهَا بِجِنْسِهَا فَحُكْمُ الزَّكَاةِ فِي الْبَدَلِ لَا يُخَالِفُ حُكْمَ الزَّكَاةِ فِي الْأَصْلِ، وَإِذَا بَاعَهَا بِخِلَافِ جِنْسِهَا فَحُكْمُ الزَّكَاةِ فِي الْبَدَلِ يُخَالِفُ حُكْمَ الزَّكَاةِ فِي الْأَصْلِ وَلَا يُمْكِنُ إبْقَاءُ مَا كَانَ ثَابِتًا بِبَقَاءِ الْبَدَلِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِالِاسْتِئْنَافِ، أَلَا تَرَى أَنَّ فِي ابْتِدَاءِ الْحَوْلِ يُضَمُّ الْجِنْسُ إلَى الْجِنْسِ وَلَا يُضَمُّ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ، فَكَذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ يَنْبَنِي عِنْدَ الْمُجَانَسَةِ وَيَسْتَقِلُّ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ.
(وَلَنَا) أَنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي السَّائِمَةِ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ حَتَّى يُعْتَبَرَ نِصَابُهُ مِنْ الْعَيْنِ وَالنَّمَاءِ فِيهِ مَطْلُوبٌ مِنْ الْعَيْنِ وَالْعَيْنُ الثَّانِي غَيْرُ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَالِ التِّجَارَةِ، فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ صِفَةُ الْمَالِيَّةِ دُونَ الْعَيْنِ حَتَّى يُعْتَبَرَ النِّصَابُ مِنْ قِيمَتِهِ، ثُمَّ الِاسْتِبْدَالُ يُحَقِّقُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ وَهُوَ الِاسْتِرْبَاحُ وَيُضَادُّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالسَّائِمَةِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ أَصْحَابِ السَّوَائِمِ اسْتِبْقَاؤُهَا فِي مِلْكِهِمْ عَادَةً، وَذَلِكَ يَنْعَدِمُ بِالِاسْتِبْدَالِ فَيَكُونُ نَظِيرَ تَرْكِ الْإِسَامَةِ فِيهَا، وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَهَا بِدَرَاهِمَ يُرِيدُ بِهِ الْفِرَارَ مِنْ الصَّدَقَةِ أَوْ لَا يُرِيدُ بِهِ ذَلِكَ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ إلَّا بِحَوْلٍ جَدِيدٍ، وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ هَلْ يُكْرَهُ لَهُ هَذَا الصَّنِيعُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يُكْرَهُ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُكْرَهُ وَهُوَ نَظِيرُ اخْتِلَافِهِمْ فِي الِاحْتِيَالِ لِإِبْطَالِ الشُّفْعَةِ وَلِإِسْقَاطِ الِاسْتِبْرَاءِ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ الزَّكَاةُ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ وَالْفِرَارُ مِنْ الْعِبَادَةِ لَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute