للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُدَّعِي مُمْكِنٌ بِالْإِعَادَةِ إلَى رَأْسِ الدَّعْوَى فَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى أَنْ نُقِيمَ بَدَلَ الْعَيْنِ مَقَامَ بَدَلِ الْمَنْفَعَةِ فِي إيفَاءِ هَذَا الْعَقْدِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّ الْعَبْدَ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ إذَا قُتِلَ لَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْ الْمُوصَى لَهُ هُنَاكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ بِإِعَادَةِ عِوَضِهِ إلَيْهِ فَلِأَجْلِ الضَّرُورَةِ أَقَمْنَا بَدَلَ الْعَيْنِ مَقَامَ بَدَلِ الْمَنْفَعَةِ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ مِنْ وَجْهٍ كَأَنَّهُ مُوصًى بِهِ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

يَقُولُ الْمُصَالَحُ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ بِعَقْدٍ يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ بِهِ الْعَيْنَ فَإِذَا هَلَكَتْ الْعَيْنُ وَأَخْلَفَتْ بَدَلًا لَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ كَالْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ إذَا قُتِلَ لَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ وَلَكِنْ يَشْتَرِي بِقِيمَتِهِ عَبْدًا آخَرَ لِيَخْدُمَ الْمُوصَى لَهُ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَهِيَ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ بِعَقْدٍ لَا يَجُوزُ أَنْ تُمْلَكَ بِهِ الْعَيْنُ فَلَا يُمْكِنُ إقَامَةُ بَدَلِ الْعَيْنِ هُنَاكَ مَقَامَ بَدَلِ الْمَنْفَعَةِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ بِحُكْمِ ذَلِكَ الْعَقْدِ وَإِذَا كَانَ الْعَقْدُ بِحَيْثُ يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ بِهِ الْعَيْنَ يُمْكِنُ إقَامَةُ بَدَلِ الْعَيْنِ فِيهِ مَقَامَ بَدَلِ الْمَنْفَعَةِ فِي إيفَاءِ الْعَقْدِ، ثُمَّ الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ فِي مَعْنَى الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِزَاءِ الْمَنْفَعَةِ بَدَلٌ يَسْتَقِرُّ وُجُوبُهُ بِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنْ قِيلَ كَيْف يَسْتَقِيمُ هَذَا وَالْمُصَالَحُ هُنَاكَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ الْعَبْدَ مِنْ غَيْرِهِ وَفِي الْوَصِيَّةِ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ مِنْ غَيْرِهِ قُلْنَا إنَّمَا مَلَكَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْإِنْكَارِ مَبْنِيٌّ عَلَى زَعْمِ الْمُدَّعِي وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ بِعِوَضٍ فَالصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ بِمَنْزِلَةِ عَقْدِ الْمُفَاوَضَةِ فَإِذَا تَمَلَّكَ الْمَنْفَعَةَ بِهِ مَلَكَ أَنْ يُؤَاجِرَهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَقِرُّ وُجُوبُ الْبَدَلِ بِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ كَمَا إذَا مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ بِالْخُلْعِ أَوْ النِّكَاحِ أَوْ الصُّلْحِ عَنْ الْقَوَدِ

تَوْضِيحُهُ إنَّ هَذَا الْعَقْدَ مِنْ وَجْهٍ يُشْبِهُ الْإِجَارَةَ وَهُوَ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ تُمْلَكُ بِعِوَضٍ وَمِنْ وَجْهٍ يُشْبِهُ الْوَصِيَّةَ وَهُوَ أَنَّ بِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ لَا يَسْتَقِرُّ وُجُوبُ عِوَضٍ فَلِشَبَهِهِ بِالْإِجَارَةِ قُلْنَا يَمْلِكُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَلِشَبَهِهِ بِالْوَصِيَّةِ قُلْنَا لَا يَبْطُلُ بِالْقَتْلِ وَتَقُومُ قِيمَتُهُ مَقَامَ عَيْنِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَذَا الْعَقْدِ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ وَاجِبٌ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً لِمَا فِي امْتِدَادِهَا مِنْ الْفَسَادِ وَإِنَّمَا أُثْبِتَ الْخِيَارُ لِلْمُدَّعِي لِحُصُولِ التَّغَيُّرِ لَا فِي ضَمَانِهِ فَالْمَنْفَعَةُ لَا تَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَجِبُ الْقِيمَةُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَالِكًا لِلْعَبْدِ فَالْمُصَالَحُ قَدْ صَارَ أَحَقَّ بِهِ مِنْهُ فَهُوَ فِي وُجُوبِ الْقِيمَةِ عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَالرَّاهِنِ إذَا قَتَلَ الْمَرْهُونَ أَوْ الْوَارِثَ إذَا قَتَلَ الْعَبْدُ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُصَالَحُ هُوَ الَّذِي قَتَلَ الْعَبْدَ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْ الرَّقَبَةِ فَيَلْزَمُهُ مِنْ الْقِيمَةِ بِالْقَتْلِ مَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْمُصَالَحِ فِي هَذَا الْفَصْلِ عِنْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>