للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ يَثْبُتُ كَمَا إذَا قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ آخَرُ وَإِلَّا وُجِّهَ أَنْ لَا يَثْبُتَ؛ لِأَنَّ التَّغْيِيرَ حَصَلَ بِفِعْلِهِ هُنَا وَهُوَ رَاضٍ بِفِعْلِهِ لَا مَحَالَةَ وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُسْتَقِيمٌ فَقَدْ قَالَ: إذَا جَنَى الْبَائِعُ عَلَى الْمَبِيعِ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ لَا مَحَالَةَ وَهَذَا عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَسْقُطُ بِهِ خِيَارُ الْمُشْتَرِي بِخِلَافِ مَا إذَا جَنَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ صَالَحَهُ عَلَى لُبْسِ هَذَا الثَّوْبِ شَهْرًا أَوْ عَلَى أَنْ يَرْكَبَ دَابَّتَهُ هَذِهِ إلَى بَغْدَادَ فَإِنَّ هَذِهِ مَنْفَعَةٌ يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهَا بِالْإِجَارَةِ وَالْوَصِيَّةِ فَكَذَلِكَ بِالصُّلْحِ

فَإِنْ مَاتَ الْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقَدْ اسْتَوْفَى نِصْفَ الْمَنْفَعَةِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ الصُّلْحُ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ وَيَرْجِعُ فِي دَعْوَاهُ بِقَدْرِهِ وَهَذَا فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْمَنْفَعَةِ كَالْإِجَارَةِ وَالْإِجَارَةُ تَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ الْمُدَّعِي فَلَوْ أَبْقَيْنَا الصُّلْحَ أَدَّى إلَى تَوْرِيثِ الْمَنْفَعَةِ وَالْمَنْفَعَةُ لَا يَجْرِي فِيهَا الْإِرْثُ (أَلَا تَرَى) أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ إذَا مَاتَ لَا يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ وَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنْ يُجْعَلَ الصُّلْحُ كَالْوَصِيَّةِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَالْعَيْنُ صَارَتْ لِوَارِثِهِ وَالْمَنْفَعَةُ بَعْدَ ذَلِكَ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ وَيَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ مَنْفَعَةَ مِلْكِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ مَاتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَبْطُلْ الصُّلْحُ، وَإِنْ مَاتَ الْمُدَّعِي فَفِي سُكْنَى الدَّارِ وَخِدْمَةِ الْعَبْدِ كَذَلِكَ الْجَوَابُ فَأَمَّا فِي لُبْسِ الثَّوْبِ وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ يَبْطُلُ الصُّلْحُ وَهَذَا الْجَوَابُ عَنْهُ مَحْفُوظٌ فِي الْأَمَالِي وَمِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مَنْ يَقُولُ تَأْوِيلُهُ

إذَا ادَّعَى عَبْدًا فِي يَدِ غَيْرِهِ، ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى خِدْمَتِهِ شَهْرًا أَوْ ادَّعَى بَيْتًا، ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى سُكْنَاهُ شَهْرًا فَإِنَّ الصُّلْحَ عَلَى الْإِنْكَارِ مَبْنِيٌّ عَلَى زَعْمِ الْمُدَّعِي وَفِي زَعْمِهِ أَنَّهُ يَسْتَوْفِي الْمَنْفَعَةَ بِمِلْكِهِ الْأَصْلِيِّ لَا أَنْ يَتَمَلَّكَهَا بِعَقْدِ الصُّلْحِ بِعِوَضٍ فَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ وَلَا بِمَوْتِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى خِدْمَةِ عَبْدٍ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ مُطْلَقًا وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّقَ الْخِلَافَ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالصُّلْحِ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ وَفِي إبْطَالِ هَذَا الصُّلْحِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا إعَادَةُ الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا فَلِوُجُوبِ التَّحَرُّزِ عَنْ ذَلِكَ قُلْنَا بِأَنَّهُ يَبْقَى الصُّلْحُ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَوَارِثُهُ يَنْتَفِعُ بِإِيفَاءِ هَذَا الصُّلْحِ مِثْلَ مَا كَانَ الْمُوَرِّثُ انْتَفَعَ بِهِ وَهُوَ سُقُوطُ مُنَازَعَةِ الْمُدَّعِي فَلَوْ أَبْطَلْنَا الصُّلْحَ رُبَّمَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَحْصِيلِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ، وَإِنْ مَاتَ الْمُدَّعِي فَوَارِثُهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِيمَا لَا يَتَفَاوَتُ النَّاسُ فِي اسْتِيفَائِهِ كَخِدْمَةِ الْعَبْدِ وَسُكْنَى الْبَيْتِ وَرُبَّمَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَحْصِيلِ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ بِعَقْدِهِ فَأَبْطَلْنَا الصُّلْحَ فَأَمَّا فِيمَا يَتَفَاوَتُ النَّاسُ فِيهِ كَلُبْسِ الثَّوْبِ وَرُكُوبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>