عَبْدًا لِيَخْدُمَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ (قَالَ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) وَكَانَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ تَأْوِيلُ مَا قَالَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ أَنَّ أَهْلَ الْمُدَّعِي إذَا كَانُوا فِي بَعْضِ الْقُرَى الْقَرِيبَةِ مِنْ الْمِصْرِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَعْلَمُ ذَلِكَ أَوْ كَانَ هُوَ عَلَى جَنَاحِ السَّفَرِ وَالرُّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ وَقَدْ عَلِمَ ذَلِكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ هُوَ رَاضِيًا بِإِخْرَاجِهِ الْعَبْدَ إلَى أَهْلِهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَسْتَخْدِمُ الْعَبْدَ فِي أَهْلِهِ وَتَأْوِيلُ مَا قَالَ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَعْلُومًا لِلْآجِرِ عِنْدَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ فَلَا يَكُونُ رَاضِيًا بِإِخْرَاجِ الْعَبْدِ وَتَكْلِيفِهِ خِدْمَةَ السَّفَرِ؛ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ فِي السَّفَرِ أَشَقُّ مِنْهَا فِي الْحَضَرِ
(قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَاَلَّذِي يَتَرَاءَى لِي مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ أَنَّ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ مُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى الْآجِرِ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِي النَّقْلِ كَانَتْ لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُقِرُّ حَقَّهُ فِي الْأَجْرِ وَالْمُسْتَأْجِرُ إذَا سَافَرَ بِالْعَبْدِ فَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُلْزِمَ الْمُؤَاجِرَ مَا لَمْ يَلْزَمْهُ مِنْ مُؤْنَةِ الرَّدِّ فَأَمَّا هُنَا فَمُؤْنَةُ الرَّدِّ لَيْسَتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْخِدْمَةَ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَهُوَ كَالْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ فَإِنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ عَلَيْهِ دُونَ الْوَارِثِ فَالْمُدَّعِي هُنَا بِإِخْرَاجِهِ إلَى أَهْلِهِ يَلْتَزِمُ مُؤْنَةَ الرَّدِّ لَا أَنْ يَلْزَمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ شَيْئًا فَلِهَذَا كَانَ يُخْرِجُهُ
وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ فِي حَائِطِ رَجُلٍ مَوْضِعَ جُذُوعٍ أَوْ ادَّعَى فِي دَارِهِ طَرِيقًا أَوْ مَسِيلَ مَاءٍ فَجَحَدَهُ، ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى دَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمُصَالَحَ عَلَيْهِ مَعْلُومٌ وَجَهَالَةُ الْمُصَالِحِ عَنْهُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الصُّلْحِ فَإِنَّ تَسَلَّمْهُ بِالصُّلْحِ لَا يَصِيرُ مُسْتَحِقًّا
وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ حَقًّا فَصَالَحَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقٍ فِي دَارِهِ أَوْ عَلَى مَسِيلِ مَاءٍ أَوْ عَلَى أَنْ يَضَعَ عَلَى الْحَائِطِ مِنْ دَارِهِ جِذْعًا فَالصُّلْحُ عَلَى الطَّرِيقِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمُصَالَحَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ عَيْنًا فَهُوَ كَالْمَبِيعِ وَبَيْعُ الطَّرِيقِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمُصَالَحَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مِمَّا لَا يَقَعُ فِيهِ مُنَازَعَةٌ يَجُوزُ وَبَيْعُ الْمَسِيلِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ فَإِنْ كَانَ مَسِيلُ مَاءِ الْمِيزَابِ فَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الْمَطَرِ وَكَثْرَتِهِ وَالضَّرَرُ بِحَسَبِهِ يَخْتَلِفُ، وَإِنْ كَانَ مَسِيلُ مَاءِ الْوُضُوءِ فَذَلِكَ يَخْتَلِفُ أَيْضًا بِقِلَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَكَثْرَتِهَا فَكَذَلِكَ بَيْعُ مَوْضِعِ الْجِذْعِ مِنْ الْحَائِطِ لَا يَجُوزُ لِلْجَهَالَةِ فَاسْتِئْجَارُ الْحَائِطِ لِوَضْعِ الْجِذْعِ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ أَيْضًا وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مَنْ لَا يُسْتَحَقُّ بِالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَالصُّلْحُ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ
وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى شِرْبِ نَهْرٍ شَهْرًا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الشِّرْبِ بِدُونِ الْأَرْضِ جَائِزٌ فَكَذَلِكَ الصُّلْحُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ يَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الْمَاءِ وَكَثْرَتِهِ وَجَرَيَانُ أَصْلِ الْمَاءِ فِي النَّهْرِ عَلَى خَطَرٍ وَمِقْدَارُهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يَسِيلَ مَاءٌ فِيهَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ ذَلِكَ لَا يُسْتَحَقُّ بِالْإِجَارَةِ فَكَذَلِكَ لَا يُسْتَحَقُّ بِالصُّلْحِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَهُ عَلَى عُشْرِ نَهْرٍ بِأَرْضِهِ أَوْ عَلَى عُشْرِ بِئْرٍ أَوْ عَيْنٍ فَالْمُصَالَحُ عَلَيْهِ هُنَا جُزْءٌ مَعْلُومٌ رُقْبَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute