للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمُهَايَأَةِ بِالْمَكَانِ فِيمَا بُدِئَ الْبَابُ بِهِ قَالَ: دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ تَهَايَآ فِيهَا عَلَى أَنْ يَسْكُنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْزِلًا مَعْلُومًا وَأَنْ يُؤَاجِرَ كُلٌّ حِصَّةَ مَنْزِلِهِ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِ الْمُدَّةِ فِي صِحَّةِ هَذَا الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْمُهَايَأَةَ قِسْمَةُ الْمَنْفَعَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَفِي قِسْمَةِ الْعَيْنِ لَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِ الْمُدَّةِ فَكَذَلِكَ فِي قِسْمَةِ الْمَنْفَعَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى بَيَانِ الْمُدَّةِ فِي الْإِجَارَةِ لِمَعْرِفَةِ مِقْدَارِ مَا يُسْتَحَقُّ مِنْ الْمَنْفَعَةِ مِنْ تِلْكَ الْعَيْنِ عَلَى وَجْهٍ بِهِ تَنْقَطِعُ الْمُنَازَعَةُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُنَا يَسْتَوْفِي الْمَنْفَعَةَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَالْمُنَازَعَةُ تَنْقَطِعُ بِبَيَانِ مَنْزِلٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، ثُمَّ إنْ كَانَا شَرَطَا فِي الْمُهَايَأَةِ أَنْ يُؤَاجِرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْزِلَهُ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطَا فَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي نَصِيبِهِ وَمَا يُسْتَوْفَى مِنْ الْغَلَّةِ حَلَالٌ لَهُ وَكَانَ أَبُو عَلِيٍّ الشَّاشِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: لَيْسَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا مَا شَرَطَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْتَفِعٌ بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ حَقِيقَةً فَالْمَنْزِلُ الَّذِي فِي يَدِهِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ ذَلِكَ بِحُكْمِ الْمُعَاوَضَةِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ مُعَاوَضَةَ الْمَنْفَعَةِ بِجِنْسِهَا لَا يَجُوزُ فَعَرَفْنَا أَنَّ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْإِبَاحَةِ وَالْإِعَارَةِ وَالْمُسْتَعِيرُ لَا يُؤَاجِرُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمُهَايَأَةَ قِسْمَةُ الْمَنْفَعَةِ فَمَا يُصِيبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْمَنْفَعَةِ يُجْعَلُ مُسْتَحَقًّا لَهُ بِاعْتِبَارِ قَدِيمِ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ جِنْسٌ وَاحِدٌ لَا يَتَفَاوَتُ بِمَنْزِلَةِ الْقِسْمَةِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَهُوَ يَمْلِكُ الِاعْتِيَاضَ عَنْ الْمَنْفَعَةِ الْمَمْلُوكَةِ لَهُ لَا مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ سَوَاءٌ شَرَطَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُحْدِثَ فِي مَنْزِلِهِ بِنَاءً وَلَا يَنْقُضَهُ وَلَا يَفْتَحَ بَابًا فِي حَائِطٍ وَلَا كُوَّةً إلَّا بِرِضَا صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ تَبْقَى مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الْمُهَايَأَةِ وَأَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لَا يَسْتَبِدُّ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ مَا لَمْ يَرْضَ بِهِ صَاحِبُهُ وَبِالْمُهَايَأَةِ إنَّمَا تَثْبُتُ الْقِسْمَةُ فِي الْمَنْفَعَةِ فَفِيمَا لَيْسَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ حَالُهُمَا بَعْدَ الْمُهَايَأَةِ كَمَا قَبْلَهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ تَهَايَآ عَلَى أَنْ يَكُونَ السُّفْلُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَالْعُلْوُ فِي يَدِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَسْكَنٌ بِمَنْزِلَةِ الْمَنْزِلَيْنِ فِي عُلْوٍ أَوْ سُفْلٍ

وَكَذَلِكَ التَّهَايُؤُ فِي الدَّارَيْنِ عَلَى السُّكْنَى وَالْغَلَّةِ جَائِزٌ وَكَانَ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: الْمُرَادُ إذَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ فَأَمَّا عِنْدَ طَلَبِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ فَالْقَاضِي لَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَنْزِلَةِ الْقِسْمَةِ لِلْعَيْنِ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّ قِسْمَةَ الْجَبْرِ لَا تَجْرِي فِي الدُّورِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَكَذَلِكَ التَّهَايُؤُ وَإِلَّا ظَهَرَ أَنَّ الْقَاضِيَ يُجْبَرُ عَلَيْهِ عِنْدَ طَلَبِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ فِي الْمُهَايَأَةِ تُلَاقِي الْمَنْفَعَةَ دُونَ الْعَيْنِ وَمَنْفَعَةُ السُّكْنَى تَتَقَارَبُ وَلَا تَتَفَاوَتُ إلَّا يَسِيرًا بِخِلَافِ قِسْمَةِ الْعَيْنِ فَالْمُعَادَلَةُ فِي الْمَالِيَّةِ هُنَاكَ مُعْتَبَرَةٌ وَالدُّورُ

<<  <  ج: ص:  >  >>