تَخْتَلِفُ فِي الْمَالِيَّةِ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ وَالْجِيرَانِ وَلِهَذَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُؤَاجِرَ مَا فِي يَدِهِ وَيَأْكُلَ غَلَّتَهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ سَالِمَةٌ لَهُ بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ بِاعْتِبَارِ قَدِيمِ مِلْكِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ فِي الدَّارَيْنِ إذَا غَلَّتْ مَا فِي يَدِ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِمَّا غَلَّتْ مَا فِي يَدِ الْآخَرِ فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ بِخِلَافِ الدَّارِ الْوَاحِدَةِ فَهُنَاكَ إذَا تَهَايَآ فِيهَا عَلَى الِاسْتِغْلَالِ فَكَانَتْ غَلَّةُ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا فِي نَوْبَتِهِ أَكْثَرَ فَذَلِكَ الْفَضْلُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ فِي الدَّارَيْنِ مَعْنَى الْقِسْمَةِ وَالتَّمَيُّزُ بِالتَّرَاجُعِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصِلُ إلَى الْمَنْفَعَةِ وَالْغَلَّةِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَصِلُ إلَيْهِ صَاحِبُهُ فَمَا يَسْتَوْفِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِوَضٌ عَنْ قَدِيمِ مِلْكِهِ يَسْتَوْجِبُهُ بِعَقْدِهِ فَيُسَلَّمُ لَهُ وَفِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ مِنْ صَاحِبِهِ فِي إجَارَةِ نَصِيبِهِ فِي نَوْبَتِهِ إذَا تَهَايَآ عَلَى الِاسْتِغْلَالِ فَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بِالزَّمَانِ وَأَحَدُهُمَا يَصِلُ إلَى الْغَلَّةِ قَبْلَ وُصُولِ الْآخَرِ إلَيْهَا وَذَلِكَ لَا يَكُونُ قَضِيَّةَ الْقِسْمَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَنْزِلَةِ وَكِيلٍ عَنْ صَاحِبِهِ وَمَا يَقْبِضُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِوَضٌ عَمَّا يَقْبِضُ صَاحِبُهُ مِنْ عِوَضِ نَصِيبِهِ فَعِنْدَ التَّفَاضُلِ يَثْبُتُ التَّرَاجُعُ فِيمَا بَيْنَهُمَا لِيَسْتَوِيَا وَيُوَضِّحُ هَذَا أَنَّ الْفَرْقَ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْكَرْخِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ فِي الْمُهَايَأَةِ فِي الدَّارَيْنِ يُعْتَمَدُ التَّرَاضِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظَاهِرٌ وَعِنْدَهُمَا قِسْمَةُ الْجَبْرِ فِي الدَّارَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَجْرِي إلَّا إذَا رَأَى الْقَاضِي الْمَصْلَحَةَ فِيهِ وَعِنْدَ التَّرَاضِي يُسَلَّمُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا رَضِيَ بِهِ صَاحِبُهُ وَفِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ لَا يُعْتَبَرُ التَّرَاضِي فِي الْمُهَايَأَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْمُعَادَلَةِ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْمُهَايَأَةِ فَلِهَذَا يَتَرَاجَعَانِ فَضْلَ الْغَلَّةِ
وَالْمُهَايَأَةُ فِي النَّخْلِ وَالشَّجَرِ عَلَى كُلِّ الْغَلَّةِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ غَلَّةَ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ لَا يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهَا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ فَلَا تُسْتَحَقُّ بِالْمُهَايَأَةِ أَيْضًا وَهَذَا؛ لِأَنَّهَا عَيْنٌ تَبْقَى بَعْدَ حُدُوثٍ وَيَتَأَتَّى فِيهَا قِسْمَةُ الْعَيْنِ وَإِنَّمَا جَوَازُ الْمُهَايَأَةِ فِيمَا لَا يَتَأَتَّى فِيهَا الْقِسْمَةُ بَعْدَ الْوُجُودِ حَقِيقَةً أَوْ مَا يَكُونُ عِوَضًا مِنْهُ كَغَلَّةِ الدَّارِ وَنَحْوِهَا وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ الْمُهَايَأَةُ فِي الْغَنَمِ عَلَى الْأَوْلَادِ وَالْأَلْبَانِ وَالْأَصْوَافِ؛ لِأَنَّهَا عَيْنٌ تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ بَعْدَ الْوُجُودِ حَقِيقَةً
وَلَوْ ادَّعَى فِي دَارٍ حَقًّا فَتَهَايَآ عَلَى أَنْ يَنْزِلَ بَيْتًا مِنْهَا مِنْ غَيْرِ صُلْحٍ عَلَى أَنْ يَكُفَّ عَنْ الْخُصُومَةِ حَتَّى يَبْدُوَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ سُكْنَى الْبَيْتِ شَيْئًا وَلَا يَلْزَمُهُ بِخُرُوجِهِ حَقٌّ فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ أَعَارَهُ الْبَيْتَ وَالْآخَرَ تَرَكَ الْخُصُومَةَ زَمَانًا وَمِثْلُ هَذَا يَجُوزُ بِالتَّرَاضِي فِيهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اللُّزُومُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حُجَّتِهِ إذَا بَدَا لَهُ
وَالتَّهَايُؤُ عَلَى الْخِدْمَةِ فِي الْعَبْدِ الْوَاحِدِ تَجُوزُ عَلَى الزَّمَانِ هَذَا شَهْرٌ وَهَذَا شَهْرٌ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْمُعَادَلَةِ فِي قِسْمَةِ الْخِدْمَةِ بِالزَّمَانِ مُمْكِنٌ وَذَلِكَ فِي الْعَبْدَيْنِ إذَا تَهَايَآ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute