الْوَارِثِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ السُّكْنَى وَالْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ يَمْلِكُ أَنْ يُؤَاجِرَ فَالْغَلَّةُ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِهِ وَإِجَارَتُهُ مِنْ الْوَارِثِ وَمِنْ غَيْرِهِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى، وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَهُنَاكَ بِالصُّلْحِ يَمْلِكُ الْغَلَّةَ مِنْ الْوَارِثِ إذَا وُجِدَتْ وَكَانَتْ عَيْنًا، فَلَا يَجُوزُ تَمْلِيكُهَا قَبْلَ الْوُجُودِ وَهُنَا إنَّمَا يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ بِالْإِجَارَةِ وَذَلِكَ صَحِيحٌ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُمَلِّكُ فِي الْوَجْهَيْنِ مَالِكَ الْعَبْدِ، فَإِنْ أَجَرَهُ الْمُسْتَأْجِرُ بِأَكْثَرَ مِمَّا اسْتَأْجَرَهُ بِهِ تَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ فِيمَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الْإِجَارَاتِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِثَوْبِ يَهُودِيٍّ بِعَيْنِهِ فَأَجَّرَ بِثَوْبَيْنِ يَهُودِيَّيْنِ طَابَ لَهُ الْفَضْلُ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ لَيْسَ بِمَالِ الرِّبَا، فَلَا يَتَحَقَّقُ فِي هَذَا التَّصَرُّفِ الْفَضْلُ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ، وَالْوَصِيَّةُ بِغَلَّةِ الدَّارِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِغَلَّةِ الْعَبْدِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا.
وَلَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِغَلَّةِ نَخْلَةٍ بِعَيْنِهَا أَبَدًا فَصَالَحَهُ الْوَرَثَةُ بَعْدَمَا خَرَجَتْ ثَمَرَتُهَا وَبَلَغَتْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ غَلَّةٍ تَخْرُجُ أَبَدًا عَلَى حِنْطَةٍ وَقَبَضَهَا جَازَ بِطَرِيقِ تَمْلِيكِ الْغَلَّةِ الْخَارِجَةِ بِعِوَضٍ، وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عَمَّا يَخْرُجُ بَعْدَ ذَلِكَ بِعِوَضٍ، وَإِذَا كَانَ يَجُوزُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادٍ فَكَذَلِكَ إذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ صَالَحُوهُ عَلَى حِنْطَةٍ سَنَةً لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ مَا فِي رُءُوسِ النَّخِيلِ ثَمَرٌ مَكِيلٌ وَبِوُجُودِ أَحَدِ وَصْفَيْ عِلَّةِ رِبَا الْفَضْلِ يَحْرُمُ النَّسَاءُ، فَإِذَا بَطَلَ فِي حِصَّةِ الْمَوْجُودِ بَطَلَ فِي الْكُلِّ لِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ، وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْوَزْنِ نَسِيئَةً فَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْ الْبَدَلَانِ أَحَدَ وَصْفَيْ عِلَّةِ رِبَا الْفَضْلِ، وَلَوْ صَالَحُوهُ عَلَى تَمْرٍ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ التَّمْرَ أَكْثَرُ مِمَّا فِي رُءُوسِ النَّخِيلِ لِيَكُونَ بِمُقَابَلَةِ مَا فِي رُءُوسِ النَّخِيلِ مِثْلُهَا وَالْبَاقِي عِوَضٌ عَنْ إسْقَاطِ الْحَقِّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ تَمَكَّنَتْ فِيهِ شُبْهَةُ الرِّبَا، فَلَا يَجُوزُ، وَإِنْ صَالَحُوهُ مِنْ غَلَّةِ هَذَا النَّخْلِ عَلَى غَلَّةِ نَخْلٍ آخَرَ أَبَدًا أَوْ سِنِينَ مَعْلُومَةً لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ مَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَيْهِ فِي مَعْنَى الْمَبِيعِ وَتَمْلِيكُ غَلَّةِ النَّخِيلِ قَبْلَ خُرُوجِهَا بِالْبَيْعِ لَا يَجُوزُ، وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحُوهُ عَلَى غَلَّةِ عَبْدٍ سِنِينَ مَعْلُومَةً؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ مَجْهُولَةٌ وَهِيَ لِلْحَالِّ مَعْدُومَةٌ، فَلَا يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهَا عِوَضًا بِالْبَيْعِ وَبِالْإِجَارَةِ فَكَذَلِكَ بِالصُّلْحِ.
وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ وَهِيَ حَامِلٌ فَصَالَحَهُ الْوَرَثَةُ عَلَى دَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ جَازَ بِطَرِيقِ إسْقَاطِ الْحَقِّ الْمُسْتَحَقِّ لَهُ بِعِوَضٍ، وَلَوْ بَاعَهُ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ تَمْلِيكُ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ بِمَالٍ وَمَا فِي الْبَطْنِ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ، وَهُوَ غَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ، فَلَا يَجُوزُ تَمْلِيكُهُ بِالْبَيْعِ مِنْ أَحَدٍ، وَلَوْ صَالَحَهُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ خَاصَّةً لَمْ يَجُزْ لِتَصْرِيحِهِمَا بِتَمْلِيكِهِ مَا فِي الْبَطْنِ بِعِوَضٍ، وَلَوْ صَالَحَهُ الْوَرَثَةُ مِنْهُ عَلَى مَا فِي بَطْنِ جَارِيَةٍ أُخْرَى لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الصُّلْحُ فِي حُكْمِ الصُّلْحِ الْمَبِيعِ، وَلَوْ صَالَحُوهُ عَلَى دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ، ثُمَّ وَلَدَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute