للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَارِيَةُ غُلَامًا مَيِّتًا فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقًّا مُسْتَحَقًّا يَحْتَمِلُ الْإِسْقَاطَ بِعِوَضٍ، وَإِنَّمَا كُنَّا نُصَحِّحُ الصُّلْحَ بِطَرِيقِ إسْقَاطِ الْحَقِّ الْمُسْتَحَقِّ بِعِوَضٍ، وَلَوْ ضَرَبَ إنْسَانٌ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا كَانَ أَرْشُ ذَلِكَ لَهُمْ وَالصُّلْحُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ قَبْلَ الصُّلْحِ كَانَ الْأَرْشُ يُسَلَّمُ لَهُ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ فَصَحَّ إسْقَاطُ الْحَقِّ بِعِوَضٍ بِخِلَافِ مَا إذَا وَلَدَتْهُ مَيِّتًا، فَإِنَّهُ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ فِيهِ، وَلَوْ مَضَتْ السَّنَتَانِ قَبْلَ أَنْ تَلِدَ شَيْئًا كَانَ الصُّلْحُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ فَالْجَنِينُ لَا يَبْقَى فِي الْبَطْنِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَالْوَصِيَّةُ كَانَتْ بِالْمَوْجُودِ فِي الْبَطْنِ فَالْوَصِيَّةُ بِمَا تَحْمِلُ هَذِهِ الْأَمَةُ لَا تَكُونُ صَحِيحَةً، وَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ بِمَا فِي بُطُونِ الْغَنَمِ وَضُرُوعِهَا فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ فَصَالَحَهُ رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ الْوَرَثَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَهُ خَاصَّةً عَلَى دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ لَمْ يَجُزْ كَمَا لَا يَجُوزُ صُلْحُ أَحَدِ الْوَرَثَةِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِمَا فِي الْبَطْنِ بِعِوَضٍ، فَإِنْ قَبَضَ الرَّجُلُ الْأَمَةَ، ثُمَّ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ وَمِثْلُهُ لَا يُمَلَّكُ بِالْبَيْعِ وَإِنْ قُبِضَ، مَعَ أَنَّ قَبْضَ الْأَمَةِ لَيْسَ بِقَبْضٍ لِمَا فِي الْبَطْنِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْوَارِثَ إذَا أَعَارَ الْجَارِيَةَ أَوْ أَجَرَهَا مِنْ إنْسَانٍ لَا يَحْتَاجُ فِي التَّسْلِيمِ إلَى رِضَا الْمُوصَى لَهُ بِمَا فِي الْبَطْنِ، وَإِنَّ الْغَاصِبَ لِلْأَمَةِ الْحَامِلِ لَا يَصِيرُ ضَامِنًا لِمَا فِي بَطْنِهَا فَدَلَّ أَنَّ بِقَبْضِ الْأَمَةِ لَا يَصِيرُ قَابِضًا لِمَا فِي بَطْنِهَا وَبِدُونِ الْقَبْضِ لَا يَنْفُذُ التَّصَرُّفُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَلَوْ أَعْتَقَ الْوَرَثَةُ مَا فِي بَطْنِهَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوا مَا فِي الْبَطْنِ لِكَوْنِهِ مَشْغُولًا بِحَاجَةِ الْمَيِّتِ وَحَقِّ الْمُوصَى لَهُ، وَلَوْ أَعْتَقُوا الْأَمَةَ جَازَ؛ لِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ رَقَبَتَهَا، فَإِنْ صَالَحَهُمْ بَعْدَ عِتْقِ الْأَمَةِ مِمَّا فِي بَطْنِهَا عَلَى دَرَاهِمَ جَازَ؛ لِأَنَّ تَصْحِيحَ هَذَا الصُّلْحِ بِطَرِيقِ إسْقَاطِ الْحَقِّ، وَلَوْ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ بِإِعْتَاقِهِمْ الْأَمَةَ حَتَّى إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا حَيًّا كَانَتْ الْوَرَثَةُ هُنَا مُلْزَمِينَ لَهُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ فَإِسْقَاطُهُ الْحَقَّ بِعِوَضٍ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ مَعَهُمْ جَائِزٌ، وَلَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مَعْنَى الرِّبَا سَوَاءٌ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لَا تَمْلِيكٌ، وَفِي الْإِسْقَاطَاتِ لَا يَجْرِي الرِّبَا، وَإِنْ وَلَدَتْهُ مَيِّتًا بَطَلَ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ حِينَ انْفَصَلَ مَيِّتًا، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِبَلَهُمْ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ.

وَلَوْ أَوْصَى بِمَا فِي بَطْنِ غَنَمِهِ فَذَبَحَهَا الْوَرَثَةُ قَبْلَ أَنْ تَلِدَ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِيمَا فِي بُطُونِهَا. أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ ذَكَاةَ الْأُمِّ لَا تَكُونُ ذَكَاةً لِلْجَنِينِ عِنْدَهُ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْوَرَثَةِ صُنْعٌ فِي الْجَنِينِ. وَأَمَّا عِنْدَهُمَا، فَإِنَّمَا يَكُونُ ذَكَاةُ الْأُمِّ ذَكَاةً لِلْجَنِينِ إذَا انْفَصَلَ مَيِّتًا، وَإِذَا انْفَصَلَ مَيِّتًا، فَلَا حَقَّ لِلْمُوصَى لَهُ فَلِهَذَا لَا يَضْمَنُونَ لَهُ شَيْئًا وَلِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ انْفِصَالُ الْجَنِينِ حَيًّا بَعْدَ ذَبْحِ الْأُمِّ، فَلَا يَكُونُ هَذَا مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>