الْوَرَثَةِ إتْلَافًا لِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ بِطَرِيقِ الْمُبَاشَرَةِ وَالتَّسَبُّبِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ تَعَدِّيًا لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ، فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ انْفِصَالُ الْوَلَدِ رَقِيقًا بَعْدَ عِتْقِ الْأُمِّ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ إتْلَافًا لِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ بِطَرِيقِ الْمُبَاشَرَةِ، وَإِنْ صَالَحُوهُ بَعْدَ الذَّبْحِ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصَى لَهُ حَقُّ اسْتِحْقَاقٍ، وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ لَوْ قَتَلُوهَا هُمْ أَوْ غَيْرُهُمْ كَانَتْ الْقِيمَةُ لِلْوَرَثَةِ، وَلَا شَيْءَ لِلْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّ قَتْلَ الْأُمِّ لَا يَكُونُ قَتْلًا لِلْجَنِينِ وَيُتَوَهَّمُ انْفِصَالُ الْجَنِينِ حَيًّا قَبْلَ الْأُمِّ فَلِهَذَا لَا شَيْءَ لِلْمُوصَى لَهُ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ.
وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِمَا فِي ضُرُوعِ غَنَمِهِ فَصَالَحَهُ الْوَرَثَةُ عَلَى لَبَنٍ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ مُبَادَلَةُ اللَّبَنِ بِاللَّبَنِ مُجَازَفَةٌ، وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَحَّحَ الصُّلْحُ بِطَرِيقِ الْإِسْقَاطِ كَمَا لَوْ صَالَحُوهُ عَلَى دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّا وَإِنْ جَعَلْنَاهُ إسْقَاطًا لِلْحَقِّ حُكْمًا فَمِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ اللَّبَنُ مَوْجُودٌ فِي الضَّرْعِ، وَالْوَصِيَّةُ لَا تَصِحُّ إلَّا بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ وَبِاعْتِبَارِ هَذِهِ يَكُونُ تَمْلِيكُ اللَّبَنِ بِلَبَنٍ هُوَ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ، وَبَابُ الرِّبَا يَنْبَنِي عَلَى الِاحْتِيَاطِ فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ، وَكَذَلِكَ الصُّوفُ؛ لِأَنَّهُ مَالُ الرِّبَا كَاللَّبَنِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فِيمَا إذَا صَالَحَ الْمُوصَى لَهُ الْوَرَثَةَ عَمَّا فِي بَطْنِ الْأَمَةِ بَعْدَ عِتْقِ الْأُمِّ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّا لَا نَتَيَقَّنُ بِوُجُوبِ الْقِيمَةِ، وَإِنْ تَيَقَّنَّا بِهِ فَالْقِيمَةُ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ مَا قُبِضَ لَا مَحَالَةَ فَالتَّقْوِيمُ تَارَةً بِالدَّرَاهِمِ وَتَارَةً بِالدَّنَانِيرِ فَيُمْكِنُ تَصْحِيحُ ذَلِكَ الصُّلْحِ بِطَرِيقِ الْإِسْقَاطِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ.
وَلَوْ أَوْصَى لِصَبِيٍّ بِمَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ أَوْ لِمَعْتُوهٍ فَصَالَحَ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ الْوَرَثَةَ عَلَى دَرَاهِمَ جَازَ بِطَرِيقِ إسْقَاطِ حَقِّهِ بِعِوَضٍ فَوَلِيُّهُ فِي ذَلِكَ يَقُومُ مَقَامَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ النَّظَرِ وَلَكِنْ لَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِمُكَاتَبٍ فَصَالَحَ جَازَ؛ لِأَنَّ إسْقَاطَ الْحَقِّ بِعِوَضٍ مِنْ بَابِ اكْتِسَابِ الْمَالِ وَالْمُكَاتَبُ فِيهِ كَالْحُرِّ.
وَلَوْ أَوْصَى بِشَيْءٍ لِمَا فِي بَطْنٍ فُلَانَةَ لَمْ تَجُزْ لَهُ الْوَصِيَّةُ إلَّا أَنْ تَضَعَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَحِينَئِذٍ تُيُقِّنَ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا حِينَ أَوْجَبَ الْوَصِيَّةَ لَهُ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يُتَيَقَّنُ بِوُجُودِهِ حِينَ وَجَبَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ وَالْوَصِيَّةُ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَالْجَنِينُ إذَا كَانَ مَوْجُودًا فِي الْبَطْنِ يُجْعَلُ فِي حُكْمِ الْمِيرَاثِ كَالْمُنْفَصِلِ، وَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ، وَإِنْ أَقَرَّ الْمُوصِي أَنَّهَا حَامِلٌ ثَبَتَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ إنْ وَضَعَتْهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَنَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ أَوْصَى؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ فِي الْبَطْنِ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ ثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْمُوصِي، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ لَهُ مَا هُوَ مِنْ خَالِصِ حَقِّهِ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْإِقْرَارِ، وَهُوَ الثُّلُثُ فَيَلْحَقُ بِمَا لَوْ صَارَ مَعْلُومًا هُنَا بِأَنْ وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ صَالَحَ عَنْهُ أَبُوهُ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَجُزْ فِعْلُ الْأَبِ عَلَى مَا فِي الْبَطْنِ، فَإِنَّ ثُبُوتَ الْوِلَايَةِ لِحَاجَةِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ إلَى النَّظَرِ، وَلَا حَاجَةَ لِلْجَنِينِ إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute