مِنْ حِصَّتِهِ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ فَهُوَ جَائِزٌ، وَلَا شَرِكَةَ لِأَخِيهِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ نَصِيبَهُ مِنْ الْقَوَدِ بِعِوَضٍ، وَلَوْ أَسْقَطَ بِغَيْرِ عِوَضٍ جَازَ وَالْمَالُ عِوَضٌ عَنْ الْقِصَاصِ اسْتَحَقَّهُ بِالْعَقْدِ، وَهُوَ الْمُبَاشَرَةُ لِلْعَقْدِ، فَلَا شَرِكَةَ لِأَخِيهِ فِيهَا بِاعْتِبَارِ الْعَقْدِ، وَلَا بِاعْتِبَارِ الشَّرِكَةِ فِي أَصْلِ الْقَوَدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَالٍ، ثُمَّ كُلُّ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا فِي النِّكَاحِ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي الصُّلْحِ عَنْ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ يَسْتَحِقُّ عِوَضًا عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ بِالْعَقْدِ وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي بَدَلِ الصُّلْحِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَ عَيْنًا كَمَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لِلتَّصَرُّفِ عُذْرٌ حَتَّى لَا يَبْطُلَ بِالْهَلَاكِ وَلَكِنْ تَجِبُ قِيمَتُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَحَقَّ الْعَبْدَ كَانَ عَلَى الْقَاتِلِ قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّ بِالِاسْتِحْقَاقِ لَا يَبْطُلُ الصُّلْحُ وَلَكِنْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْعَبْدِ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لَهُ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ كَمَا فِي الصَّدَاقِ، وَهَذَا لِأَنَّ الصُّلْحَ عَنْ الْقَوَدِ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِالتَّرَاضِي كَالنِّكَاحِ بِخِلَافِ الصُّلْحِ عَنْ الْمَالِ.
وَكَذَلِكَ إنْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَاحِشًا فَرَدَّهُ رَجَعَ بِقِيمَتِهِ، وَلَا يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ الْيَسِيرِ كَمَا فِي الصَّدَاقِ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ حُرًّا كَانَ عَلَى الْقَاتِلِ الدِّيَةُ لِأَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ فِي مَالِهِ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عَلَيْهِ قِيمَتُهُ أَنْ لَوْ كَانَ عَبْدًا. وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِي الصَّدَاقِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي النِّكَاحِ.
وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْعَبْدِ الَّذِي وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَيْهِ كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ الْقَاتِلِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْقَابِلَ لِلْقَوَدِ سَقَطَ بِاتِّفَاقِهِمَا، وَإِنَّمَا تَنَازَعَا فِي الْمَالِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَى الْقَاتِلِ بِمُقَابَلَتِهِ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ كَمَا فِي الْخُلْعِ بِخِلَافِ الصَّدَاقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، فَإِنَّ هُنَاكَ يُصَارُ إلَى تَحْكِيمِ مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ النِّكَاحِ مُوجِبَةٌ مَالًا، وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ، فَعِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي الْمُسَمَّى يُصَارُ إلَى مُوجِبِهِ الْأَصْلِيِّ وَهُنَا لَيْسَ لِسُقُوطِ الْقَوَدِ بِالْعَفْوِ مُوجِبٌ مِنْ حَيْثُ الْمَالُ فَيَكُونُ هَذَا نَظِيرَ الْخُلْعِ، وَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً فَصَالَحَهُ أَحَدُهُمَا عَلَى مَالٍ كَانَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُشْرِكَهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْخَطَأِ الدِّيَةُ، وَهُوَ مَالٌ وَجَبَ مُشْتَرَكًا، وَصُلْحُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ الدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى شَيْءٍ - صَحِيحٌ، وَلِشَرِيكِهِ أَنْ يُشْرِكَهُ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ صَالَحَ أَحَدُهُمَا مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ كَانَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُشْرِكَهُ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُصَالِحُ أَنْ يُعْطِيَهُ رُبْعَ الْأَرْشِ وَيُمْسِكَ الْعَبْدَ كَمَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ الْمُشْتَرَكَةِ إذَا صَالَحَ أَحَدُهُمَا مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى عَيْنٍ، وَهَذَا لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْعَبْدَ بِالْعَقْدِ، وَهُوَ فِي الْعَقْدِ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فَلَهُ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ وَيُعْطِيَ صَاحِبَهُ رُبْعَ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَصْلُ حَقِّهِ فِيمَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْهُ، وَهُوَ نِصْفُ الْأَرْشِ، وَإِنْ شَاءَ أَبَى ذَلِكَ وَأَعْطَاهُ نِصْفَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الصُّلْحِ عَلَى التَّجَوُّزِ بِدُونِ الْحَقِّ، وَهُوَ يَقُولُ إنَّمَا تَوَصَّلْتُ إلَى حَقِّي؛ لِأَنِّي رَضِيتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute