للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِدُونِ حَقِّي فَعَلَيْكَ أَنْ تَرْضَى بِهِ أَيْضًا وَتَأْخُذَ نِصْفَ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ إنْ شِئْتَ، وَإِلَّا فَاتْبَعْ الْقَاتِلَ بِحَقِّكَ.

وَلَوْ صَالَحَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى عَرَضٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَرْضَ بِمُقَابَلَةِ الدِّيَةِ يَكُونُ بَيْعًا وَبَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ لَا يَجُوزُ، وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَهُ عَلَى مَوْصُوفٍ مِنْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ مُؤَجَّلًا وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ إذَا قُوبِلَ بِالنَّقْدِ يَكُونُ مَبِيعًا، وَلَوْ صَالَحَهُ مِنْهُ عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَاسْتُحِقَّ أَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ رَجَعَ بِنِصْفِ الْأَرْشِ؛ لِأَنَّ هَذَا صُلْحٌ عَنْ مَالٍ عَلَى مَالٍ، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ لِلْفَسْخِ فَبِالِاسْتِحْقَاقِ أَوْ الْهَلَاكِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ يَبْطُلُ الصُّلْحُ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا رَدَّهُ؛ لِأَنَّ الْمُصَالَحَ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَبِيعِ فِي الصُّلْحِ عَنْ الْمَالِ فَيُرَدُّ بِالْعَيْبِ الْيَسِيرِ وَالْفَاحِشِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ كَمَا فِي الْمَبِيعِ، وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَ عَنْ الْجَانِي غَيْرَهُ بِإِقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ كَمَا فِي الصُّلْحِ عَنْ سَائِرِ الدُّيُونِ، وَلَوْ صَالَحَهُ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى سُكْنَى دَارٍ أَوْ خِدْمَةِ عَبْدٍ سَنَةً جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمَعْلُومَةَ يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهَا عِوَضًا فِي الصُّلْحِ عَنْ الْمَالِ فَفِي الصُّلْحِ عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ أَوْلَى، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هُنَا الْعِوَضَ بِمَنْزِلَةِ الصَّدَاقِ وَالسُّكْنَى

وَالْخِدْمَةُ إذَا كَانَتْ مَعْلُومَةً بِبَيَانِ الْمُدَّةِ تَثْبُتُ صَدَاقًا فِي النِّكَاحِ، وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَيْهِ أَبَدًا أَوْ عَلَى مَا فِي بَطْنِ أَمَتِهِ أَوْ عَلَى غَلَّةِ نَخْلِهِ سِنِينَ مَعْلُومَةً أَوْ أَبَدًا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ لَا يَثْبُتُ صَدَاقًا بِالتَّسْمِيَةِ فِي النِّكَاحِ فَكَذَلِكَ لَا يُسْتَحَقُّ عِوَضًا عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فِي الصُّلْحِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْخُلْعِ، وَإِنَّهَا لَوْ اخْتَلَعَتْ نَفْسَهَا عَلَى مَا فِي بَطْنِ أَمَتِهَا صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَالْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ بِالْخُلْعِ الْمَرْأَةَ لَا تَسْتَحِقُّ شَيْئًا هُوَ مُتَقَوِّمٌ وَلَكِنْ يَبْطُلُ مِلْكُ الزَّوْجِ عَنْهَا وَالْبُضْعُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ فَكَانَ الْتِزَامُهَا بِالْوَصِيَّةِ وَالْإِقْرَارِ - وَذَلِكَ صَحِيحٌ - مُضَافًا إلَى مَا فِي الْبَطْنِ وَلِهَذَا لَوْ اخْتَلَعَتْ بِمَالٍ فِي مَرَضِهَا اُعْتُبِرَ مِنْ ثُلُثِهَا كَالْوَصِيَّةِ، وَأَمَّا الصُّلْحُ عَنْ الْقَوَدِ فَالْقَاتِلُ يَسْتَفِيدُ الْعِصْمَةَ وَالْمُتَقَوِّمُ فِي نَفْسِهِ وَلِهَذَا لَوْ صَالَحَ فِي مَرَضِهِ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ اُعْتُبِرَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ فَكَانَ الْمَالُ عِوَضًا عَمَّا هُوَ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّ مَنْ الْتَزَمَهُ فَيَكُونُ نَظِيرَ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ عِنْدَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ مُتَقَوِّمٌ فَيَكُونُ الصَّدَاقُ عِوَضًا عَمَّا هُوَ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّ مَنْ الْتَزَمَهُ وَالْجَنِينُ لَا يَصْلُحُ عِوَضًا فِي مِثْلِهِ.

يُوَضِّحُ الْفَرْقَ أَنَّ أَحَدَ الْبَدَلَيْنِ فِي الْخُلْعِ، وَهُوَ الطَّلَاقُ يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ فَكَذَلِكَ الْبَدَلُ الْآخَرُ، وَالْإِيجَابُ فِي الْجَنِينِ بِمَعْنَى الْمُضَافِ إلَى حَالِ بَعْضِهَا إذَا جُنِيَ، وَهُوَ وَحْدَهُ حَقِيقَةً لَا يَصِيرُ مَعْلُومًا إلَّا عِنْدَ ذَلِكَ، فَأَمَّا فِي الصُّلْحِ فَأَحَدُ الْبَدَلَيْنِ، وَهُوَ إسْقَاطُ الْقَوَدِ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ وَالْإِضَافَةَ بِالشَّرْطِ فَكَذَلِكَ الْبَدَلُ الْآخَرُ، فَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ فِي الْجِنْسِ مُضَافًا، وَلَا يُمْكِنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>